تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ تَأۡخُذُهُمۡ وَهُمۡ يَخِصِّمُونَ} (49)

قال اللّه تعالى : لا يستبعدوا ذلك ، فإنه [ عن ] قريب { مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً } وهي نفخة الصور { تَأْخُذُهُمْ } أي : تصيبهم { وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } أي : وهم لا هون عنها ، لم تخطر على قلوبهم في حال خصومتهم ، وتشاجرهم بينهم ، الذي لا يوجد في الغالب إلا وقت الغفلة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ تَأۡخُذُهُمۡ وَهُمۡ يَخِصِّمُونَ} (49)

وهنا يجئ الرد الذى يزلزلهم ، عن طريق بيان بعض مشاهد يوم القيامة ، فيقول - سبحانه - : { مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ . فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ } .

المراد بالصيحة هنا : النفخة الأولى التى ينفخها إسرافيل بأمر الله - تعالى - فيموت جميع الخلائق .

وقوله { يَخِصِّمُونَ } أى : يختصمون فى أمور دنياهم . وفى هذا الفظ عدة قراءات سبعية .

منها قراءة أبو عمرو وابن كثير : { وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } - بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد مع الفتح - ومنها قراءة عاصم والكسائى : { وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } بفتح الياء وكسر الخاء وتشديد الصاد مع الكسر .

ومنها قراءة حمزة { يَخِصِّمُونَ } بإسكان الخاء وكسر الصاد مع التخفيف .

أى : أن هؤلاء الكافرين الذين يستنكرون قيام الساعة ، ويستبعدون حصولها ، جاهلون غافلون ، فإن الساعة آتية لا ريب فيها ، وستحل بهم بغتة فإنهم ما ينتظرون { إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } يصيحها إسرافيل بأمرنا ، فتأخذهم هذه الصيحة وتصعقهم وتهلكهم { وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } أى : وهم يتخاصمون ، ويتنازعون فى أمور دنياهم .

وعندما تنزل بهم هذه الصيحة ، لا يستطيع بعضهم أن يوصى بعضا بما يريد أن يقول له ولا يستطيعون جميعا الرجوع إلى أهليهم ، لأنهم يصعقون فى أماكنهم التى يكونون فيها عند حدوث هذه الصيحة .

فأنت ترى أن الآيتين الكريمتين قد اشتملتا على أبلغ تصوير لأهوال علامات يوم القيامة ، ولسرعة مجئ هذه الأهوال .

أخرج الشيخان عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما ، فلا يتبايعانه ، ولا يطويانه ، وليتقومن الساعة والرجل يليط حوضه - أى يسده بالطين - فلا يسقى منه ، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن ناقته فلا يطعمه ، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فمه فلا يطعمها " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ تَأۡخُذُهُمۡ وَهُمۡ يَخِصِّمُونَ} (49)

القول في تأويل قوله تعالى : { مَا يَنظُرُونَ إِلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصّمُونَ * فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَىَ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ما ينتظر هؤلاء المشركون الذين يستعجلون بوعيد الله إياهم ، إلا صيحة واحدة تأخذهم ، وذلك نفخة الفَزَع عند قيام الساعة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وجاءت الاَثار . ذكر من قال ذلك ، وما فيه من الأثر :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ومحمد بن جعفر ، قالا : حدثنا عوف بن أبي جميلة عن أبي المغيرة القوّاس ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : لُيْنفَخَنّ في الصور ، والناس في طرقهم وأسواقهم ومجالسهم ، حتى إن الثوب ليكون بين الرجلين يتساومان ، فما يُرسله أحدهما من يده حتى يُنفَخ في الصور ، وحتى إن الرجل ليغدو من بيته فلا يرجع حتى ينفخ في الصّور ، وهي التي قال الله : { ما يَنْظُرُونَ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصّمُونَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً . . . } الاَية .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { ما يَنْظُرُونَ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصّمُون } ذُكر لنا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول : «تَهِيجُ السّاعَةُ بالنّاسِ وَالرّجُلُ يَسْقِي ماشِيَتَهُ ، وَالرّجُلُ يُصْلِحُ حَوْضَهُ ، وَالرّجُلُ يُقِيمُ سِلْعَتَهُ فِي سُوقِهِ والرّجُلُ يَخْفِضُ مِيزَانَهُ وَيَرْفَعُهُ ، وَتهِيجُ بِهِمْ وَهُمْ كَذلكَ ، { فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولا إلى أهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ } .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ما ينظُرُونَ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً قال : النفخة نفخة واحدة .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ ، عن إسماعيل بن رافع ، عمن ذكره ، عن محمد بن كعب القرظيّ ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ اللّهَ لمّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ السّمَوَاتِ والأرْضِ خَلَقَ الصّورَ ، فأعْطاهُ إسْرَافِيلَ ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلى فِيهِ شاخِصٌ بِبَصَرِهِ إلى العَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتى يُؤْمَرُ » قالَ أبو هريرة : يا رسول الله : وما الصور ؟ قال : «قَرْنٌ » قال : وكَيْفَ هُوَ ؟ قال : «قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلاثُ نَفَخاتٍ ، الأُولى نَفْخَةُ الفَزَعِ ، والثّانِيَةُ نَفْخَةُ الصّعْقِ ، والثّالِثَةُ نَفْخَةُ القِيام لِرَبّ العالَمِينَ ، يَأْمُرُ اللّهُ إسْرَافِيلَ بالنّفْخَةِ الأُولى فَيَقُولُ : انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ ، فَيَفْزَعُ أهْلُ السّمَوَاتِ وأهْلُ الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ ، وَيأْمُرُهُ اللّهُ فَيُدِيمُها وَيُطَوّلُها ، فَلا يَفْتُرُ ، وَهِيَ التي يَقُولُ اللّهُ : ما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ، ثُمّ يَأْمُرُ اللّهُ إسْرَافِيلَ بنَفْخَةِ الصّعْقِ ، فَيَقُولُ : انْفُخْ نَفْخَةَ الصّعْقِ ، فَيَصْعَقُ أهْلُ السّمَوَاتِ والأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ ، فإذَا هُمْ خامِدُونَ ، ثُمّ يُمِيتُ مَنْ بَقِيَ ، فإذَا لَمْ يَبْقَ إلاّ اللّهُ الوَاحِدُ الصّمَدُ ، بَدّلَ الأرْضَ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتِ ، فَيَبْسُطُها وَيَسْطَحُها ، وَيَمُدّها مَدّ الأدِيمِ العِكاظِيّ ، لا تَرَى فِيها عِوَجا وَلا أمْتا ، ثُمّ يَزْجُرُ اللّهُ الخَلْقَ زَجْرَةً ، فإذَا هُمُ فِي هَذِهِ المُبَدّلَةِ فِي مِثْلِ مَوَاضِعِهِمْ مِنَ الأُولى ما كانَ في بَطْنها كان في بَطْنِها ، وَما كانَ على ظَهْرِها كانَ عَلى ظَهْرِها » .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { وَهُمْ يَخِصّمُونَ } فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة : «وَهُمْ يَخْصّمُونَ » بسكون الخاء وتشديد الصاد ، فجمع بين الساكنين ، بمعنى : يختصمون ، ثم أدغم التاء في الصاد فجعلها صادا مشدّدة ، وترك الخاء على سكونها في الأصل . وقرأ ذلك بعض المكيين والبصريين : «وَهُمْ يُخَصّمُونَ » بفتح الخاء وتشديد الصاد بمعنى : يختصمون ، غير أنهم نقلوا حركة التاء وهي الفتحة التي في يفتعلون إلى الخاء منها ، فحرّكوها بتحريكها ، وأدغموا التاء في الصاد وشدّدوها . وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة : يَخِصّمُونَ بكسر الخاء وتشديد الصاد ، فكسروا الخاء بكسر الصاد وأدغموا التاء في الصاد وشدّدوها . وقرأ ذلك آخرون منهم : «يَخْصِمُونَ » بسكون الخاء وتخفيف الصاد ، بمعنى «يَفْعَلُونَ » من الخصومة ، وكأن معنى قارىء ذلك كذلك : كأنهم يتكلمون ، أو يكون معناه عنده : كان وهم عند أنفسهم يَخْصمُون مَن وعدهم مجيء الساعة ، وقيام القيامة ، ويغلبونه بالجدل في ذلك .

والصواب من القول في ذلك عندنا أن هذه قراءات مشهورات معروفات في قرّاء الأمصار ، متقاربات المعاني ، فبأيتهنّ قرأ القارىء فمصيب .