تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{عَامِلَةٞ نَّاصِبَةٞ} (3)

{ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ } أي : تاعبة في العذاب ، تجر على وجوهها ، وتغشى وجوههم النار .

ويحتمل أن المراد [ بقوله : ] { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ } في الدنيا لكونهم في الدنيا أهل عبادات وعمل ، ولكنه لما عدم شرطه وهو الإيمان ، صار يوم القيامة هباء منثورا ، وهذا الاحتمال وإن كان صحيحًا من حيث المعنى ، فلا يدل عليه سياق الكلام ، بل الصواب المقطوع به هو الاحتمال الأول ، لأنه قيده بالظرف ، وهو يوم القيامة ، ولأن المقصود هنا بيان وصف أهل النار عمومًا ، وذلك الاحتمال جزء قليل من أهل النار بالنسبة إلى أهلها{[1416]} ؛ ولأن الكلام في بيان حال الناس عند غشيان الغاشية ، فليس فيه تعرض لأحوالهم في الدنيا .


[1416]:- في ب: جزء قليل بالنسبة إلى أهل النار.
 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{عَامِلَةٞ نَّاصِبَةٞ} (3)

{ عاملة } في النار تعالج حرها وعذابها { ناصبة } ذات نصب وتعب

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{عَامِلَةٞ نَّاصِبَةٞ} (3)

ثم قال : " عاملة ناصبة " فهذا في الدنيا ؛ لأن الآخرة ليست دار عمل . فالمعنى : وجوه عاملة ناصبة في الدنيا " خاشعة " في الآخرة . قال أهل اللغة : يقال للرجل إذا دأب في سيره : قد عمل يعمل عملا . ويقال للسحاب إذا دام برقه : قد عمل يعمل عملا . وذا سحاب عمل . قال الهذلي{[15988]} :

حتى شَآهَا كَلِيلٌ مَوْهِنًا عَمِلٌ *** باتَتْ طِرَابًا وباتَ الليلُ لم يَنَمِ

" ناصبة " أي تعبة . يقال : نصب ( بالكسر ) ينصب نصبا : إذا تعب ، ونصبا أيضا ، وأنصبه غيره . فروى الضحاك عن ابن عباس قال : هم الذين أنصبوا أنفسهم في الدنيا على معصية اللّه عز وجل ، وعلى الكفر ، مثل عبدة الأوثان ، وكفار أهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم ، لا يقبل اللّه جل ثناؤه منهم إلا ما كان خالصا له .

وقال سعيد عن قتادة : " عاملة ناصبة " قال : تكبرت في الدنيا عن طاعة اللّه عز وجل ، فأعملها اللّه وأنصبها في النار ، بجر السلاسل الثقال ، وحمل الأغلال ، والوقوف حفاة عراة في العرصات ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة . قال الحسن وسعيد بن جبير : لم تعمل لله في الدنيا ، ولم تنصب له ، فأعملها وأنصبها في جهنم . وقال الكلبي : يجرون على وجوههم في النار . وعنه وعن غيره : يكلفون ارتقاء جبل من حديد في جهنم ، فينصبون فيها أشد ما يكون من النصب ، بمعالجة السلاسل والأغلال والخوض في النار ؛ كما تخوض الإبل في الوحل ، وارتقائها في صعود من نار ، وهبوطها في حدور منها . إلى غير ذلك من عذابها . وقال ابن عباس . وقرا ابن محيصن وعيسى وحميد ، ورواها عبيد عن شبل . عن ابن كثير " ناصبة " بالنصب على الحال . وقيل : على الذم . الباقون ( بالرفع ) على الصفة أو على إضمار مبتدأ ، فيوقف على " خاشعة " . ومن جعل المعنى في الآخرة ، جاز أن يكون خبرا بعد خبر عن " وجوه " ، فلا يوقف على " خاشعة " . وقيل : " عاملة ناصبة " أي عاملة في الدنيا ناصبة في الآخرة . وعلى هذا يحتمل وجوه يومئذ عاملة في الدنيا ، ناصبة في الآخرة ، خاشعة . قال عكرمة والسدي : عملت في الدنيا بالمعاصي . وقال سعيد بن جبير وزيد بن أسلم : هم الرهبان أصحاب الصوامع . وقاله ابن عباس . وقد تقدم في رواية الضحاك عنه . وروى عن الحسن قال : لما قدم عمر بن الخطاب - رضي اللّه عنه - الشام أتاه راهب شيخ كبير متقهل{[15989]} ، عليه سواد ، فلما رآه عمر بكى . فقال له : يا أمير المؤمنين ، ما يبكيك ؟ قال : هذا المسكين طلب أمرا فلم يصبه ، ورجا رجاء فأخطأه ، - وقرأ قول اللّه عز وجل - " وجوه يومئذ خاشعة . عاملة ناصبة " . قال الكسائي : التقهل : رثاثة الهيئة ، ورجل متقهل : يابس الجلد سيء الحال ، مثل المتقحل . وقال أبو عمرو : التقهل : شكوى الحاجة . وأنشد :

لَعْواً{[15990]} إذا لاقَيْتَهُ تَقَهْلاَ

والقهل : كفران الإحسان . وقد قهل يقهل قهلا : إذا أثنى ثناء قبيحا . وأقهل الرجل تكلف ما يعيبه ودنس نفسه . وانقهل ضعف وسقط . قاله الجوهري . وعن علي رضي اللّه عنه أنهم أهل حروراء . يعني الخوارج الذين ذكرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال : [ تحقرون صلاتكم{[15991]} مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، وأعمالكم مع أعمالهم ، يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرميَّة . . . ] الحديث .


[15988]:هو ساعدة بن جؤية. وقوله "شآها": أي ساقها. والكليل: البرق الضعيف. والموهن: القطعة من الليل. وباتت طرابا: أي باتت البقر العطاش طرابا إلى السير إلى الموضع الذي فيه البرق. وبات البرق الليل أجمع لا يقر: فعبر عن البرق بأنه لم يتم، لاتصاله من أول الليل إلى آخره (راجع هذا البيت والكلام عليه في خزانة الأدب الشاهد الرابع بعد الستمائة).
[15989]:أي شعث وسخ، يقال: أقهل الرجل، وتقهل. (النهاية لابن الأثير).
[15990]:اللعو: السيء الخلق. والشره الحريص.
[15991]:أي تعدون صلاتكم حقيرة بالنظر إلى صلاتهم.