ثم قال : " عاملة ناصبة " فهذا في الدنيا ؛ لأن الآخرة ليست دار عمل . فالمعنى : وجوه عاملة ناصبة في الدنيا " خاشعة " في الآخرة . قال أهل اللغة : يقال للرجل إذا دأب في سيره : قد عمل يعمل عملا . ويقال للسحاب إذا دام برقه : قد عمل يعمل عملا . وذا سحاب عمل . قال الهذلي{[15988]} :
حتى شَآهَا كَلِيلٌ مَوْهِنًا عَمِلٌ *** باتَتْ طِرَابًا وباتَ الليلُ لم يَنَمِ
" ناصبة " أي تعبة . يقال : نصب ( بالكسر ) ينصب نصبا : إذا تعب ، ونصبا أيضا ، وأنصبه غيره . فروى الضحاك عن ابن عباس قال : هم الذين أنصبوا أنفسهم في الدنيا على معصية اللّه عز وجل ، وعلى الكفر ، مثل عبدة الأوثان ، وكفار أهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم ، لا يقبل اللّه جل ثناؤه منهم إلا ما كان خالصا له .
وقال سعيد عن قتادة : " عاملة ناصبة " قال : تكبرت في الدنيا عن طاعة اللّه عز وجل ، فأعملها اللّه وأنصبها في النار ، بجر السلاسل الثقال ، وحمل الأغلال ، والوقوف حفاة عراة في العرصات ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة . قال الحسن وسعيد بن جبير : لم تعمل لله في الدنيا ، ولم تنصب له ، فأعملها وأنصبها في جهنم . وقال الكلبي : يجرون على وجوههم في النار . وعنه وعن غيره : يكلفون ارتقاء جبل من حديد في جهنم ، فينصبون فيها أشد ما يكون من النصب ، بمعالجة السلاسل والأغلال والخوض في النار ؛ كما تخوض الإبل في الوحل ، وارتقائها في صعود من نار ، وهبوطها في حدور منها . إلى غير ذلك من عذابها . وقال ابن عباس . وقرا ابن محيصن وعيسى وحميد ، ورواها عبيد عن شبل . عن ابن كثير " ناصبة " بالنصب على الحال . وقيل : على الذم . الباقون ( بالرفع ) على الصفة أو على إضمار مبتدأ ، فيوقف على " خاشعة " . ومن جعل المعنى في الآخرة ، جاز أن يكون خبرا بعد خبر عن " وجوه " ، فلا يوقف على " خاشعة " . وقيل : " عاملة ناصبة " أي عاملة في الدنيا ناصبة في الآخرة . وعلى هذا يحتمل وجوه يومئذ عاملة في الدنيا ، ناصبة في الآخرة ، خاشعة . قال عكرمة والسدي : عملت في الدنيا بالمعاصي . وقال سعيد بن جبير وزيد بن أسلم : هم الرهبان أصحاب الصوامع . وقاله ابن عباس . وقد تقدم في رواية الضحاك عنه . وروى عن الحسن قال : لما قدم عمر بن الخطاب - رضي اللّه عنه - الشام أتاه راهب شيخ كبير متقهل{[15989]} ، عليه سواد ، فلما رآه عمر بكى . فقال له : يا أمير المؤمنين ، ما يبكيك ؟ قال : هذا المسكين طلب أمرا فلم يصبه ، ورجا رجاء فأخطأه ، - وقرأ قول اللّه عز وجل - " وجوه يومئذ خاشعة . عاملة ناصبة " . قال الكسائي : التقهل : رثاثة الهيئة ، ورجل متقهل : يابس الجلد سيء الحال ، مثل المتقحل . وقال أبو عمرو : التقهل : شكوى الحاجة . وأنشد :
لَعْواً{[15990]} إذا لاقَيْتَهُ تَقَهْلاَ
والقهل : كفران الإحسان . وقد قهل يقهل قهلا : إذا أثنى ثناء قبيحا . وأقهل الرجل تكلف ما يعيبه ودنس نفسه . وانقهل ضعف وسقط . قاله الجوهري . وعن علي رضي اللّه عنه أنهم أهل حروراء . يعني الخوارج الذين ذكرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال : [ تحقرون صلاتكم{[15991]} مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، وأعمالكم مع أعمالهم ، يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرميَّة . . . ] الحديث .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.