قوله تعالى : { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } هذا في الدنيا ؛ لأن الآخرة ليست دار عمل ، فالمعنى : وجوه عاملة ناصبة في الدنيا خاشعة في الآخرة .
قال أهل اللغة : يقال للرجل إذا دأب في سيره : قد عمل يعمل عملاً ، ويقال للسحاب إذا دام برقُه : قد عمل يعمل عملاً .
وقوله : «ناصبةٌ » أي : تعبةٌ ، يقال : نَصِبَ - بالكسر - ينصبُ نصَباً : إذا تعب ونَصْباً أيضاً ، وأنصبه غيره .
قال ابنُ عباسٍ : هم الذين أنصبوا أنفسهم في الدنيا على معصية الله تعالى ، وعلى الكفر مثل عبدة الأوثان ، والرهبان ، وغيرهم ، ولا يقبل الله - تعالى - منهم إلاَّ ما كان خالصاً له{[59953]} .
وعن علي - رضي الله عنه - أنهم الخوارج الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «تُحقِّرُونَ صَلاتكُمْ مَعَ صَلاتهِمْ ، وصِيامَكُمْ مَعَ صِيَامهِمْ ، وأعْمالَكُمْ مَعَ أعْمَالهِمْ ، يَمرقُونَ من الدِّينِ كما يَمْرقُ السَّهْمُ من الرميّة » الحديث{[59954]} .
وروى سعيد عن قتادة : «عاملةٌ ناصبةٌ » قال : تكبرت في الدنيا عن طاعة الله - عز وجل - ، فأعملها الله وأنصبها في النار ، بجر السلاسل الثِّقال ، وحمل الأغلال ، والوقوف حفاة عراة في العرصات في يوم كان مقداره خمسين ألف سنةٍ{[59955]} .
قال الحسن وسعيد بن جبير : لم تعمل لله في الدنيا ولم تنصب له ، فأعملها وأنصبها في جهنم .
وقرأ ابن كثير في رواية ، وابن محيصن وعيسى وحميد{[59956]} : «نَاصِبةٌ » بالنصب على الحال .
والباقون : بالرفع ، على الصفة ، أو إضمار مبتدأ فيوقف على «خاشعة » .
ومن جعل المعنى : في الآخرة جاز أن يكون خبراً بعد خبر عن «وجوه » ، فلا يوقف على «خاشعة » [ وقيل : عاملة ناصبة أي : عاملة في الدنيا ناصبة في الآخرة ، وعلى هذا يحمل وجوه يومئذ عاملة في الدنيا ناصبة في الآخرة خاشعة ]{[59957]} .
وروى الحسن ، قال : لما قدم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - «الشام » ، أتاه راهب ، شيخ كبير عليه سواد ، فلما رآه عمر - رضي الله عنه بكى فقيل : يا أمير المؤمنين ما يبكيك ؟ قال : هذا المسكين طلب أمراً فلم يصبه ورجا رجاءً فأخطأه وقرأ قوله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ }{[59958]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.