فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{عَامِلَةٞ نَّاصِبَةٞ} (3)

قوله : { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } معنى { عاملة } أنها تعمل عملاً شاقاً . قال أهل اللغة : يقال للرجل إذا دأب في سيره : عمل يعمل عملاً ، ويقال للسحاب إذا دام برقه : قد عمل يعمل عملاً . قيل : وهذا العمل هو جرّ السلاسل والأغلال ، والخوض في النار . { نَّاصِبَةٌ } أي تعبة . يقال نصب بالكسر ينصب نصباً : إذا تعب ، والمعنى : أنها في الآخرة تعبة لما تلاقيه من عذاب الله . وقيل : إن قوله : { عَامِلَةٌ } في الدنيا إذ لا عمل في الآخرة : أي تعمل في الدنيا بالكفر والمعاصي ، وتَنْصَبُ في ذلك . وقيل : إنها عاملة في الدنيا ناصبة في الآخرة ، والأوّل أولى . قال قتادة { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } تكبرت في الدنيا عن طاعة الله ، فأعملها الله ، وأنصبها في النار بجرّ السلاسل الثقال وحمل الأغلال والوقوف حفاة عراة في العرصات { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [ المعارج : 4 ] قال الحسن وسعيد بن جبير : لم تعمل لله في الدنيا ولم تنصب فأعملها وأنصبها في جهنم . قال الكلبي : يجرّون على وجوههم في النار . وقال أيضاً : يكلفون ارتقاء جبل من حديد في جهنم ، فينصبون فيها أشد ما يكون من النصب بمعالجة السلاسل والأغلال والخوض في النار كما تخوض الإبل في الوحل . قرأ الجمهور { عاملة ناصبة } بالرفع فيهما على أنهما خبران آخران للمبتدأ ، أو على تقدير مبتدأ ، وهما خبران له ، وقرأ ابن محيصن وعيسى وحميد وابن كثير في رواية عنه بنصبهما على الحال أو على الذم .

/خ26