تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّـٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} (41)

ثم ذكر علامة من ينصره ، وبها يعرف ، أن من ادعى أنه ينصر الله وينصر دينه ، ولم يتصف بهذا الوصف ، فهو كاذب فقال : { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ } أي : ملكناهم إياها ، وجعلناهم المتسلطين عليها ، من غير منازع ينازعهم ، ولا معارض ، { أَقَامُوا الصَّلَاةَ } في أوقاتها ، وحدودها ، وأركانها ، وشروطها ، في الجمعة والجماعات .

{ وَآتُوا الزَّكَاةَ } التي عليهم خصوصا ، وعلى رعيتهم عموما ، آتوها أهلها ، الذين هم أهلها ، { وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ } وهذا يشمل كل معروف حسنه شرعا وعقلا ، من حقوق الله ، وحقوق الآدميين ، { وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ } كل منكر شرعا وعقلا ، معروف قبحه ، والأمر بالشيء والنهي عنه يدخل فيه ما لا يتم إلا به ، فإذا كان المعروف والمنكر يتوقف على تعلم وتعليم ، أجبروا الناس على التعلم والتعليم ، وإذا كان يتوقف على تأديب مقدر شرعا ، أو غير مقدر ، كأنواع التعزير ، قاموا بذلك ، وإذا كان يتوقف على جعل أناس متصدين له ، لزم ذلك ، ونحو ذلك مما لا يتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا به .

{ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } أي : جميع الأمور ، ترجع إلى الله ، وقد أخبر أن العاقبة للتقوى ، فمن سلطه الله على العباد من الملوك ، وقام بأمر الله ، كانت له العاقبة الحميدة ، والحالة الرشيدة ، ومن تسلط عليهم بالجبروت ، وأقام فيهم هوى نفسه ، فإنه وإن حصل له ملك موقت ، فإن عاقبته غير حميدة ، فولايته مشئومة ، وعاقبته مذمومة .