فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱقۡتُلُوهُ أَوۡ حَرِّقُوهُ فَأَنجَىٰهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (24)

{ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا } رجوع إلى خطاب إبراهيم بعد الاعتراض بما تقدم من خطاب محمد صلى الله عليه وسلم على قول من قال : إن قوله : { قل سيروا في الأرض } خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأما على قول من قال : إنه خطاب لإبراهيم عليه السلام ، فالكلام في سياقه سابقا ولاحقا : أي قال بعضهم لبعض عند المشاورة بينهم : لا تجيبوا عن براهينه الثلاثة الدالة على الأصول وهي التوحيد والنبوة والحشر ، وافعلوا بإبراهيم أحد الأمرين .

{ اقتلوه } بالسيف أو نحوه فتستريحوا منه عاجلا { أو حرقوه } بالنار فإما أن يرجع إلى دينكم إذا أوجعته النار ، وإما أن يموت بها إذا أصر على قوله ودينه وإنما أجابوا بذلك لعدم قدرتهم على الجواب الصحيح ، ثم اتفقوا على تحريقه فقذفوه في النار .

{ فأنجاه الله من النار } بأن جعلها عليه بردا وسلاما ، وقيل : إن ذلك اليوم لم ينتفع أحد بنار وذلك لذهاب حرها { إن في ذلك } أي في إنجاء الله لإبراهيم بعد إلقائه في النار { لآيات } أي : دلالات واضحة وعلامات ظاهرة ، على عظيم قدرة الله ، وبديع صنعه ، حيث أضرموا تلك النار العظيمة ، والقوا فيها ، ولم تحرقه ، ولا أثرت فيه أثرا ، بل صارت إلى حالة مخالفة لما هو شأن عنصرها ، من الحرارة والإحراق . قال المحلي : هي عدم تأثيرها فيه ، وإخمادها ، وإنشاء روض مكانها في زمن يسير ، انتهى . أي مقدار طرفة عين بحيث إنها لم تؤذه . ولكن أحرقت وثاقه لينحل .

{ لقوم يؤمنون } أي يصدقون بتوحيد الله وقدرته ، وإنما خص المؤمنون لأنهم الذين يعتبرون بآيات الله سبحانه ، وينتفعون بها ، وأما من عداهم فهم عن ذلك غافلون .