الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٞ} (51)

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { إني كان لي قرين } قال : شيطان .

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن عطاء الخراساني رضي الله عنه قال : كان رجلان شريكين ، وكان لهما ثمانية آلاف دينار فاقتسماها ، فعمد أحدهما فاشترى بألف دينار أرضاً ، فقال صاحبه : اللهم إن فلاناً اشترى بألف دينار أرضاً ، وإني أشتري منك بألف دينار أرضاً في الجنة . فتصدق بألف دينار ، ثم ابتنى صاحبه داراً بألف دينار ، فقال هذا : اللهم إن فلاناً ابتنى داراً بألف دينار ، وإني أشتري منك داراً في الجنة بألف دينار . فتصدق بألف دينار ، ثم تزوج صاحبه امرأة ، فانفق عليها ألف دينار فقال : اللهم إن فلاناً تزوج امرأة ، فانفق عليها ألف دينار ، وإن أخطب إليك من نساء الجنة بألف دينار . فتصدق بألف دينار ، ثم اشترى خدماً ومتاعاً بألف دينار ، وإني أشتري منك خدماً ومتاعاً بألف دينار . فتصدق بألف دينار .

ثم أصابته حاجة شديدة فقال : لو أتيت صاحبي هذا لعله ينالني معروف ، فجلس على طريقه ، فمر به في حشمه وأهله ، فقام إليه الآخر ، فنظر فعرفه فقال فلان . . . ؟ ! فقال : نعم . فقال : ما شأنك ؟ فقال : أصابتني بعدك حاجة ، فأتيتك لتصيبني بخير قال : فما فعل فقد اقتسمناه مالاً واحداً ، فأخذت شطره . فقال : اشتريت داراً بألف دينار ، ففعلت أنا كذلك ، وفعلت أنا كذلك . فقص عليه القصة فقال : إنك لمن المصدقين بهذا ، اذهب فوالله لا أعطيك شيئاً ، فرده فقضى لهما أن توفيا ، فنزلت فيهما { فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } حتى بلغ { أئنا لمدينون } قال : لمحاسبون .

وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن فرات بن ثعلبة البهراني رضي الله عنه في قوله { إني كان لي قرين } قال : ذكر لي أن رجلين كان شريكين ، فاجتمع لهما ثمانية آلاف دينار ، فكان أحدهما ليس له حرفة ، والآخر له حرفة فقال : إنه ليس لك حرفة ، فما أراني إلا مفارقك ومقاسمك ، فقاسمه ثم فارقه . ثم إن أحد الرجلين اشترى داراً كانت لملك بألف دينار ، فدعا صاحبه ثم قال : كيف ترى هذه الدار ابتعتها بألف دينار ؟ فقال : ما أحسنها ! فلما خرج قال : اللهم إن صاحبي قد ابتاع هذه الدار ، وإني أسألك داراً من الجنة . فتصدق بألف دينار .

ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ، ثم تزوّج امرأة بألف دينار ، فدعاه وصنع له طعاماً ، فلما أتاه قال : إني تزوّجت هذه المرأة بألف دينار قال : ما أحسن هذا ؟ فلما خرج قال : اللهم إن صاحبي تزوّج امرأة بألف دينار وإني أسألك امرأة من الحور العين .

فتصدق بألف دينار ، ثم أنه مكث ما شاء الله أن يمكث ، ثم اشترى بستانين بألفي دينار ، ثم دعاه فأراه وقال : إني قد ابتعت هذه البستانين بألفي دينار فقال : ما أحسن هذا ؟ فلما خرج قال : يا رب إن صاحبي قد ابتاع بستانين بألفي دينار ، وإني أسألك بستانين في الجنة . فتصدق بألفي دينار .

ثم إن الملك أتاهما فتوفاهما ، فانطلق بهذا المتصدق ، فأدخله داراً تعجبه ، فإذا امرأة يضيء ما تحتها من حسنها ، ثم أدخله البستانين وشيئاً الله به عليم فقال عند ذلك : ما أشبه هذا برجل كان من أمره كذا . وكذا . . قال : فإنه ذلك ، ولك هذا المنزل ، والبستانان ، والمرأة فقال { إني كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين } قيل له : فإنه في الجحيم قال { فهل أنتم مطلعون ، فاطلع فرآه في سواء الجحيم } فقال عند ذلك { تالله إن كدت لتردين } .

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في الآية قال : كانا شريكين في بني إسرائيل . أحدهما مؤمن . والآخر كافر ، فافترقا على ستة آلاف دينار ، كل واحد منهما ثلاثة آلاف دينار . ثم افترقا فمكثا ما شاء الله أن يمكثا ، ثم التقيا فقال الكافر للمؤمن ما صنعت في مالك ، أضربت به شيئاً اتجرت به في شيء ؟ قال له المؤمن : لا . فما صنعت أنت ؟ قال : اشتريت به نخلاً ، وأرضاً ، وثماراً ، وأنهاراً ، بألف دينار فقال له المؤمن : أو فعلت ؟ قال : نعم . فرجع المؤمن حتى إذا كان الليل ، فصلى ما شاء الله أن يصلي ، فلما انصرف أخذ ألف دينار فوضعها بين يديه ، ثم قال : اللهم إن فلاناً - يعني شريكه الكافر - اشترى أرضاً ، ونخلاً ، وثماراً ، وأنهاراً ، بألف دينار ، ثم يموت ويتركها غداً . اللهم وإني اشتري منك بهذه الألف دينار أرضاً ، ونخلاً ، وثماراً ، وأنهاراً ، في الجنة . ثم أصبح فقسمها للمساكين .

ثم مكثا ما شاء الله أن يمكثا ، ثم التقيا فقال الكافر للمؤمن : ما صنعت ، أضربت به في شيء ، اتجرت به ؟ قال : لا . قال : فما صنعت أنت ؟ قال : كانت ضيعتي قد اشتد على مؤنتها ، فاشتريت رقيقاً بألف دينار ، يقومون لي ، ويعملون لي فيها . فقال المؤمن : أو فعلت ؟ قال : نعم . فرجع المؤمن حتى إذا كان الليل ، صلى ما شاء الله أن يصلي ، فلما انصرف أخذ ألف دينار ، فوضعها بين يديه ثم قال : اللهم إن فلاناً اشترى رقيقاً من رقيق الدنيا بألف دينار ، يموت غداً فيتركهم ، أو يموتون فيتركونه ، اللهم وإني أشتري منك بهذه الألف دينار رقيقاً في الجنة . ثم أصبح فقسمها بين المساكين .

ثو مكثا ما شاء الله أن يمكثا ، ثم التقيا فقال الكافر للمؤمن : ما صنعت في مالك ، أضربت به في شيء ، اتجرت به في شيء ؟ قال : لا . فما صنعت أنت ؟ قال : كان أمري كله قد تم إلا شيئاً واحداً ، فلانة مات عنها زوجها فأصدقتها ألف دينار ، فجاءتني بها وبمثلها معها فقال له المؤمن : أو فعلت ؟ قال له نعم . فرجع المؤمن حتى إذا كان الليل صلى ما شاء الله أن يصلي ، فلما انصرف أخذ الألف دينار الباقية ، فوضعها بين يديه ، وقال : اللهم إن فلاناً تزوّج زوجة من أزواج الدنيا بألف دينار ، ويموت عنها فيتركها أو تموت فتتركه ، اللهم وإني أخطب إليك بهذه الألف دينار حوراء عيناء في الجنة . ثم أصبح فقسمها بين المساكين ، فبقي المؤمن ليس عنده شيء .

فلبس قميصاً من قطن ، وكساء من صوف ، ثم جعل يعمل ويحفر بقوته فقال رجل : يا عبد الله أتؤجر نفسك مشاهرة ؛ شهراً بشهر ، تقوم على دواب لي ؟ قال : نعم . فكان صاحب الدواب يغدو كل يوم ينظر إلى دوابه ، فإذا رأى منها دابة ضامرة أخذ برأسه فوجأ عنقه ، ثم يقول له : سرقت شعير هذه البارحة . فلما رأى المؤمن الشدة قال : لآتين شريكي الكافر ، فلأعملن في أرضه ، يطعمني هذه الكسرة يوماً بيوم ، ويكسيني هذين الثوبين إذا بليا .

فانطلق يريده ، فانتهى إلى بابه ، وهم مُمْسٍ ، فإذا قصر في السماء ، وإذا حوله البوابون فقال لهم : استأذنوا لي صاحب هذا القصر ، فإنكم إن فعلتم ذلك سره فقالوا له : انطلق فإن كنت صادقاً فنم في ناحية فإذا أصبحت فتعرض له . فانطلق المؤمن فألقى نصف كسائه تحته ونصفه فوقه ثم نام ، فلما أصبح أتى شريكه ، فتعرض له ، فخرج شريكه وهو راكب ، فلما رآه عرفه ، فوقف فسلم عليه وصافحه ، ثم قال له : ألم تأخذ من المال مثل ما أخذت فأين مالك ؟ قال : لا تسألني عنه قال : فما جاء بك ؟ قال : جئت أعمل في أرضك هذه ، تطعمني هذه الكسرة يوماً بيوم ، وتكسوني هذين الثوبين إذا بليا قال : لا ترى مني خيراً حتى تخبرني ما صنعت في مالك قال : أقرضته من الملأ الوفي قال : من ؟ قال : الله ربي ، وهو مصافحه ، فانتزع يده ثم قال { أئنك لمن المصدقين ، أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمدينون } وتركه ، فلما رآه المؤمن لا يلوي عليه رجع ، وتركه يعيش المؤمن في شدة من الزمان ، ويعيش الكافر في رخاء من الزمان .

فإذا كان يوم القيامة ، وأدخل الله المؤمن الجنة يمر فإذا هو بأرض ، ونخل ، وأنهار ، وثمار ، فيقول : لمن هذا ؟ فيقال : هذا لك فيقول : أو بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا ؟ ثم يمر فإذا هو برقيق لا يحصى عددهم فيقول : لمن هذا ؟ فيقال : هؤلاء لك فيقول : أو بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا ؟ ثم يمر فإذا هو بقبة من ياقوتة حمراء مجوفة فيها حوراء عيناء فيقول : لمن هذه ؟ فيقال : هذه لك فيقول : أو بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا ؟ ثم يذكر شريكه الكافر فيقول { إني كان لي قرين ، يقول أئنك لمن المصدقين } فالجنة عالية ، والنار هاوية ، فيريه الله شريكه في وسط الجحيم ، من بين أهل النار ، فإذا رآه عرفه المؤمن فيقول { تالله إن كدت لتردين ، ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين ، أفما نحن بميتين ، إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين ، إن هذا لهو الفوز العظيم ، لمثل هذا فليعمل العاملون } بمثل ما قدمت عليه قال : فيتذكر المؤمن ما مر عليه في الدنيا من الشدة فلا يذكر أشد عليه من الموت .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { أئنا لمدينون } قال : لمحاسبون .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه ، مثله .