الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٞ} (51)

ثم قال تعالى عنهم ، إنهما قالوا في مساءلتهم : { قال قائل منهم إني كان لي قرين ، يقول أئنك لمن المصدقين ، أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما إنا لمدينون } {[57289]} .

[ فقوله : " إنا لمدينون " {[57290]}جواب للاستفهامين في قوله : " أئنك لمن المصدقين أئذا متنا " ] {[57291]} .

أي قال قائل من أهل الجنة إن كان لي صاحب ينكر البعث بعد الموت ويقول لي : أتصدق بأنك تبعث بعد أن تكون عظاما ورفاتا ، وتجزى بعملك ؟ هذا معنى قول ابن عباس {[57292]} .

وقال مجاهد : القرين {[57293]} كان شيطانا {[57294]}/ .

قال ابن عباس : لما صار المؤمن إلى الجنة ذكر ذلك فرأى صاحبه في سواء الجحيم ، أي : في وسطه قال : { تالله إن كدت لتردين } {[57295]} أي : والله إنك قاربت أن تهلكني {[57296]} لو قبلتنك ولولا نعمة ربي إذ {[57297]} ثبتني على الإيمان لكنت من المحضرين معك في النار .

وروي أنه كان شريكان ، وكان أحدهما له حرفة والآخر ليس له حرفة ، فقال الذي له حرفة للآخر : ليس عندك حرفة ولا أراني {[57298]} إلا مفارقك {[57299]} ومقاسمك {[57300]} ، فقاسمه وفارقه .

ثم إن الرجل صاحب الحرفة اشترى دارا بألف دينار كانت {[57301]} لملك مات ، فدعا صاحبه الذي لا حرقة فأراه الدار ، وقال : كيف ترى {[57302]} هذه الدار ابتعتها بألف دينار ؟ قال : ما أحسنها فلما خرج قال : اللهم إن صاحبي هذا قد ابتاع هذه الدار بألف دينار وإني أسألك دارا من دور الجنة ، فتصدق بألف دينار ، ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم {[57303]} تزوج امرأة بألف دينار ، ثم دعا الذي لا حرفة معه وصنع له طعاما {[57304]}فلما أتاه قال : إني تزوجت هذه المرأة بألف دينار ، فقال : ما أحسن هذا فلما انصرف قال : يا رب إن صاحبي تزوج امرأة بألف دينار وإني أسألك امرأة من الحور العين ، فتصدق بألف دينار . ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم اشترى بستانين بألفي دينار ، ثم دعاه {[57305]} فأراه {[57306]} ذلك وقال : : إني ابتعت هذين البستانين بألفي دينار ، قال : ما أحسن هذا فلما خرج قال : يا رب إن صاحبي هذا اشترى بستانين بألفي دينار {[57307]} ، وإني أسألك بستانين من الجنة ، فتصدق بألفي {[57308]} دينار ، ثم إن الملك أتاهما فتوفاهما {[57309]} ثم انطلق بهذا المتصدق فأدخله دارا معجبة فإذا امرأة تطلع يضيء منها ما تحتها من حسنها ثم أدخله بستانين وشيئا الله به {[57310]} عليم فقال المتصدق عند ذلك : ما أشبه هذا برجل كان من أمره كذا وكذا قال : فأنت ذلك ولك هذان البستانان {[57311]} والمرأة : قال : فإنه لي صاحب يقول : أئنك لمن المصدقين ؟ قيل له : فإنه في الجحيم ، فقال : هل أنتم مطلعون ؟ فاطلع فرآه في سواء الجحيم ، فقال عند ذلك : " تالله إن كدت لتردين ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين " أي : من المحضرين في النار معك ذكر هذه الحكاية {[57312]} بن ثعلبة البهراني {[57313]} {[57314]} .

وهو تأويل يوجب أن تكون القراءة : من " المصدقين " بالتشديد للصاد {[57315]} من الصدقة . وقراءة الجماعة {[57316]} إنما هي من التصديق {[57317]} بالحساب والبعث والمجازاة {[57318]} بالأعمال .

قال ابن عباس : " لمدينون " لمجازون بالعمل {[57319]} .

وقال مجاهد : لمحاسبون {[57320]} .

قال قتادة : سأل ربه أن يطلعه فأطلعه {[57321]} فاطلع فرأى صاحبه في وسط النار {[57322]} .

قال مطرف بن عبد الله لولا أن الله عرفه به ما عرفه لتغير حبره وسبره {[57323]} بعده {[57324]} {[57325]} .

ةوروي أنه أطلع فرأى جماجم القوم تغلي .

وروى ابن المبارك عن معمر عن عطاء الخرساني {[57326]} مثل الحكاية بعينها إلا أن فيها اختلاف ألفاظ ، قال : كان رجلان شريكان بينهما ثمانية آلاف دينار ، فاقتسمهما فعمد أحدهما فاشترى دارا بألف دينار وأرضا بألف دينار وتزوج امرأة بألف دينار واشترى أثاثا بألف ، فقال الآخر : اللهم إني أشتري منك في الجنة دارا وأرضا وامرأة وأثاثا بأربعة آلاف دينار ، ثم تصدق بها كلها ، ثم احتاج فتعرض لشريكه أن ينيله {[57327]} مما عنده ، فقال له : أين مالك ؟ فأخبره بما فعل فقال له : وإنك لمن المصدقين بهذا اذهب فوالله لا أعطيك شيئا . وطرده فنزلت فيهما هذه {[57328]} الآيات فتذكر {[57329]} المتصدق أمر شريكه وهو في الجنة فاطلع ليراه في وسط الجحيم {[57330]} .

قال قتادة : رأى جماجم القوم {[57331]} تغلي {[57332]} .

قال ابن المبارك : وبلغنا أنه سأل ربه أن يطلعه عليه .

قال أبو محمد مؤلفه {[57333]} نصر الله وجهه {[57334]} نقلت معنى الحكاية واختصرت بعض لفظها .

وةيروى أن الله جل ذكره بين أهل الجنة ، وأهل النار كوى {[57335]} ينظر إليهم أهل الجنة إذا أحبوا ليعلموا قدر ما أنجاهم {[57336]} الله {[57337]} منه وقدر ما أعطاهم ، ودل على ذلك قوله تعالى {[57338]} : { فاطلع فرآه في سواء الجحيم } أي : أطلع من الكوى {[57339]} فرآه في وسط الجحيم .


[57289]:ما بين المعقوقين ساقط من ب
[57290]:فقوله "إنا لمدينون" مثبت في طرة أ
[57291]:ما بين المعقوقين ساقط من ب
[57292]:انظر: جامع البيان 23/59
[57293]:ب: "هذا القرين"
[57294]:انظر: جامع البيان 23/58، وتفسير ابن كثير 4/9 والدر المنثور 7/90 وتفسير مجاهد 568
[57295]:انظر: جامع البيان 23/59
[57296]:ب: تهلكني معك في النار
[57297]:ب: "أي إذا"
[57298]:ب: "وما أرى"
[57299]:ب: "نفارقك"
[57300]:ب: "ونقاسمك"
[57301]:ب: وكانت"
[57302]:ب: "ترني"
[57303]:ب: "ثم إنه"
[57304]:تكملة من جامع البيان يقتضيها السياق
[57305]:فقال ما أحسن هذا ثم دعاه ساقط من ب
[57306]:ب: "ثم إنه رآه"
[57307]:قال ما أحسن هذا... ألفي دينار ساقط من ب
[57308]:ب: "بألفي"
[57309]:ب: "فتوهما" وهو تحريف
[57310]:ساقط من ب
[57311]:ب: "البساتين" وهو تحريف
[57312]:ب: "فراة"
[57313]:هو فرات بن ثعلبة البهراني شامي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أدخله أبي في مسند الوحدان وأدخله أبو زرعة في مسند الشاميين روى عن أبي عامر وروى عنه سليم بن عامر، وروى عبد الكريم، الجزيري وحصيف عنه مرسلا. انظر: الجرح والتعديل 7/97، 450
[57314]:انظر: جامع البيان 23/59 وتفسير ابن كثير 4/9ـ10 والدر المنثور 7/91
[57315]:هذه القراءة منسوبة إلى حمزة انظر: الجامع للقرطبي 15/82
[57316]:المصدقين" بتشديد الدال ودون تشديد الصاد هي قراءة الجماعة انظر: الجامع للقرطبي 15/ 82
[57317]:ب: "المصدق"
[57318]:ب: "المجازات"
[57319]:انظر: جامع البيان 23/59 والمحرر الوجيز 13/ 235 والبحر المحيط 7/361 وتفسير ابن كثير 4/9
[57320]:انظر: تفسير ابن كثير 4/9
[57321]:مثبت في طرة أ
[57322]:انظر: جامع البيان 23/50
[57323]:المقصود بالحبر والسبر هنا: "الهيئة" جاء في اللسان مادة "حبر" 4/158 "الحبر والسبر والحبر والسبر كل ذلك الحسن والبهاء...ويقال فلان حسن الحبر والسبر إذا كان جميلا حسن الهيئة"
[57324]:ب: "بعد"
[57325]:انظر: جامع البيان 23/61، والمحرر الوجيز 13/236
[57326]:هو عطاء بن أبي مسلم من فقهاء خراسان نزيل بيت المقدس كان يغزو ويكثر من التهجد في اليل، روى عنه مالك بن أنس. وهو كثير الإرسال عن الصحابة توفي سنة 135 انظر: صفة الصفوة 4/150 ، 700 وطبقات الشيرازي39
[57327]:ب: "يليه" وقد جاء في اللسان مادة "نول" 11/683 أنا له معروفه ونوله. أعطاه معروفه... ويقال نلت له بشيء، جدت وما نلته بشيء أي: ما أعطيته"
[57328]:مثبت في طرة أ
[57329]:ب: "فيذكر"
[57330]:انظر: الدر المنثور 7/91 وروح المعاني 23/91
[57331]:ساقط من ب ومثبت في طرة أ
[57332]:انظر: جامع البيان 23/62 وتفسير ابن كثير 4/9
[57333]:هو مكي بن أبي طالب نفسه
[57334]:ب: "رضي الله عنه"
[57335]:كوى جمع كوة: وهي الخرق في الحائط والثقب في البيت ونحوه. انظر: اللسان مادة "كوي" 14/236
[57336]:ب: "نجاهم"
[57337]:ب: "الله عز وجل"
[57338]:ساقط من ب
[57339]:ب: "الكوة"