الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{هَٰذَا يَوۡمُ لَا يَنطِقُونَ} (35)

وأخرج ابن مردويه عن عبدالله بن الصامت قال : قلت لعبدالله بن عمرو بن العاص أرأيت قول الله : { هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون } قال : إن يوم القيامة يوم له حالات وتارات في حال لا ينطقون ، وفي حال ينطقون ، وفي حال يعتذرون ، لا أحدثكم إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إذا كان يوم القيامة ينزل الجبار في ظلل من الغمام ، وكل أمة جاثية في ثلاث حجب مسيرة كل حجاب خمسون ألف سنة ، حجاب من نور ، وحجاب بن ظلمة ، وحجاب من ماء ، لا يرى لذلك فيأمر بذلك الماء فيعود في تلك الظلمة ، ولا تسمع نفس ذلك القول إلا ذهبت فعند ذلك لا ينطقون » .

وأخرج الحاكم وصححه من طريق عكرمة قال : سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن قوله تعالى : { هذا يوم لا ينطقون } و { فلا تسمع إلا همساً } [ طه : 108 ] و { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } [ الصافات : 27 ] و { هاؤم اقرءوا كتابيه } [ الحاقة : 19 ] فما هذا ؟ قال : ويحك هل سألت عن هذا أحداً قبلي ؟ قال : لا . قال : إنك لو كنت سألت هلكت ، أليس قال الله تعالى : { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } [ الحج : 47 ] قال : بلى . قال : وإن لكل مقدار يوم من الأيام لوناً من الألوان .

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أنه سئل عن قوله : { يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } قال : ألا أخبركم بأشد مما تسألون عنه ؟ قال ابن عباس ، وذكر { لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } [ الرحمن : 39 ] { فوربك لنسألنهم أجمعين } [ الحجر : 92 ] و { هذا يوم لا ينطقون } قال ابن عباس : إنها أيام كثيرة في يوم واحد فيصنع الله فيها ما يشاء ، فمنها يوم لا ينطقون ، ومنها يوم عبوساً قمطريراً .

وأخرج عبد بن حميد عن أبي الضحى أن نافع بن الأزرق وعطية أتيا ابن عباس فقالا : يا ابن عباس أخبرنا عن قول الله : { هذا يوم لا ينطقون } وقوله : { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } [ الزمر : 31 ] وقوله : { والله ربنا ما كنا مشركين } [ الأنعام : 6 ] وقوله : { ولا يكتمون الله حديثاً } [ النساء : 42 ] قال : ويحك يا ابن الأزرق إنه يوم طويل وفيه مواقف تأتي عليهم : ساعة لا ينطقون ، ثم يؤذن لهم فيختصمون ، ثم يمكثون ما شاء الله يحلفون ويجهدون ، فإذا فعلوا ذلك ختم الله على أفواههم ويأمر جوارحهم فتشهد على أعمالهم بما صنعوا ، ثم تنطق ألسنتهم فيشهدون على أنفسهم بما صنعوا . قال : ذلك قوله : { ولا يكتمون حديثاً } .

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي عبد الله الجدلي قال : أتيت بيت المقدس فإذا عبادة بن الصامت ، وعبدالله بن عمرو ، وكعب الأحبار يتحدثون في بيت المقدس فقال عبادة : إذا كان يوم القيامة جمع الناس في صعيد واحد فينفذهم البصر ويسمعهم الداعي ويقول الله { هذا يوم لا ينطقون } { هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين فإن كان لكم كيد فكيدون } ، اليوم لا ينجو مني جبار ولا شيطان مريد ، فقال عبدالله بن عمرو : إنا نجد في الكتاب أنه يخرج يومئذ عنق من النار فينطلق معنقاً حتى إذا كان بين ظهراني الناس قال : يا أيها الناس إني بعثت إلى ثلاثة أنا أعرف بهم من الوالد بولده ومن الأخ بأخيه ، لا يغنيهم مني وزر ، ولا تخفيهم مني خافية : الذي يجعل مع الله إلهاً آخر ، وكل جبار عنيد ، وكل شيطان مريد . قال : فينطوي عليهم فيقذفهم في النار قبل الحساب بأربعين . إما قال يوماً وإما عاماً . قال : ويهرع قوم إلى الجنة فتقول لهم الملائكة : قفوا للحساب . فيقولون : والله ما كانت لنا أموال ، وما كنا بعمال . فيقول الله : صدق عبادي أنا أحق من أوفى بعهده ادخلوا الجنة . فيدخلون قبل الحساب بأربعين . إما قال يوماً وإما عاماً .