فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَآۚ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (8)

{ وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } انتصاب { حسناً } على أنه نعت مصدر محذوف ، أي إيصاء حسناً على المبالغة ، أو على حذف المضاف ، أي ذا حسن . هذا مذهب البصريين ، وقال الكوفيون : تقديره : ووصينا الإنسان أن يفعل حسناً ، فهو مفعول لفعل مقدّر ، ومنه قول الشاعر :

عجبت من دهماء إذ تشكونا *** ومن أبى دهماء إذ يوصينا خيراً بها كأنما خافونا

أي يوصينا أن نفعل بها خيراً ، ومثله قول الحطيئة :

وصيت من برّة قلباً حرًّا *** بالكلب خيراً والحمأة شرًّا

قال الزجاج : معناه ووصينا الإنسان : أن يفعل بوالديه ما يحسن ، وقيل : هو صفة لموصوف محذوف ، أي ووصيناه أمراً ذا حسن ، وقيل : هو منتصب على أنه مفعول به على التضمين ، أي ألزمناه حسناً .

وقيل : منصوب بنزع الخافض ، أي ووصيناه بحسن . وقيل : هو مصدر لفعل محذوف ، أي يحسن حسناً ، ومعنى الآية : التوصية للإنسان بوالديه بالبرّ بهما ، والعطف عليهما . قرأ الجمهور { حَسَنًا } بضم الحاء ، وإسكان السين ، وقرأ أبو رجاء وأبو العالية والضحاك بفتحهما ، وقرأ الجحدري : " إحسانا " وكذا في مصحف أبيّ { وَإِن جاهداك لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا } أي طلباً منك وألزماك أن تشرك بي إلها ليس لك به علم بكونه إلها ، فلا تطعهما ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وعبر بنفي العلم عن نفي الإله ؛ لأن ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه ، فكيف بما علم بطلانه ؟ وإذا لم تجز طاعة الأبوين في هذا المطلب مع المجاهدة منهما له ، فعدم جوازها مع مجرّد الطلب بدون مجاهدة منهما أولى ، ويلحق بطلب الشرك منهما سائر معاصي الله سبحانه ، فلا طاعة لهما فيما هو معصية لله كما صحّ ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي أخبركم بصالح أعمالكم وطالحها ، فأجازي كلاً منكم بما يستحقه .

/خ13