{ فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون 77ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون 78 }
بعض الذي نعدهم : بعض الذي نعدهم من العذاب بالقتل أو الأسر لهم في حياتك ، وجواب الشرط تقديره : فذاك .
أو نتوفينك : أي : نميتك قبل تعذيبهم .
فإلينا يرجعون : فإلينا وحدنا يُرجعون يوم القيامة ، فنجازهم بأعمالهم .
77- { فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون } .
ناقش القرآن أهل مكة طويلا فيما سبق ، وكانوا يتقولون على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويتربصون به الموت أملا في التخلص منه ، وهنا يحث القرآن الرسول صلى الله عليه وسلم على الصبر الجميل ، مؤكدا أن وعد الله حق ، بِنَصر الرسل والمؤمنين في حياتهم أو بعد وفاتهم ، وكان القرآن الكريم يشير إلى أن الرسول له غاية وهدف وهو البلاغ ، أما الهداية أو النصر فذلك في مشيئة الله وحكمته .
اصبر أيها الرسول على إيذاء المشركين واثقا بالنصر ، سواء وجدت ذلك في حياتك كالنصر عليهم يوم بدر ، أي إذا أريناك النصر في حياتك فبها ونعمت ، وإذا توفيناك قبل تحقيق النصر فلا تحزن ، فإن مصيرهم إلينا ، وسيلقون الجزاء كاملا بيد الإله العادل ، ولا يظلم ربك أحدا ، وهو سبحانه مالك يوم الدين ، وبيده الجزاء العادل في ذلك اليوم ، وإلى الله وحده يُرجعون .
{ فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله } بتعذيب أعدائك الكفرة { حَقّ } كائن لا محالة { فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ } أصله فإن نرك فزيدت { مَا } لتوكيد { ءانٍ } الشرطية ولذلك جاز أن يلحق الفعل نون التوكيد على ما قيل : وإلى التلازم بين ما ونون التوكيد بعد أن الشرطية ذهب المبرد . والزجاج فلا يجوز عندهما زيادة ما بدون إلحاق نون ولا إلحاق نون بدون زيادة ما ورد بقوله
: فإما تريني ولي لمة *** فإن الحوادث أودي بها
ونسب أبو حيان على كلام فيه جواز الأمرين إلى سيبويه والغالب أن إن إذا أكدت بما يلحق الفعل بعدها نون التوكيد على ما نص عليه غير واحد { بَعْضَ الذى نَعِدُهُمْ } وهو القتل والأسر { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } قبل ذلك { فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } يوم القيامة فنجازيهم بأعمالهم ، وهو جواب { نَتَوَفَّيَنَّكَ } وجواب { نُرِيَنَّكَ } محذوف مثل فذاك ، وجوز أن يكون جواباً لهما على معنى أن نعذبهم في حياتك أو لم نعذبهم فإنا نعذبهم في الآخرة أشد العذاب ويدل على شدته الاقتصار على ذكر الرجوع في هذا المعرض . والزمخشري آثر في الآية هنا ما ذكر أولاً وذكر في الرعد في نظيرها أعني قوله تعالى : { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ } [ الرعد : 40 ] ما يدل على أن الجملة المقرونة بالفاء جواب على التقديرين ، قال في «الكشف » : والفرق أن قوله تعالى : { فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ } عدة للإنجاز والنصر وهو الذي همه عليه الصلاة والسلام وهم المؤمنين معقود به لمقتضى هذا السياق فينبغي أن يقدر فذاك هناك ثم جىء بالتقدير الثاني رداً لشماتتهم وإنه منصور على كل حال وإتماماً للتسلي ، وأما مساق التي في الرعد فلا يجاب التبليغ وإنه ليس عليه غير ذلك كيفما دارت القضية ، فمن ذهب إلى إلحاق ما هنا بما في الرعد ذهب عنه مغزى الزمخشري انتهى فتأمل ولا تغفل .
وقرأ أبو عبد الرحمن . ويعقوب { يَرْجِعُونَ } بفتح الياء ، وطلحة بن مصرف . ويعقوب في رواية الوليد بن حسان بفتح تاء الخطاب .
{ 77 } { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }
أي { فَاصْبِرْ } يا أيها الرسول ، على دعوة قومك ، وما ينالك منهم ، من أذى ، واستعن على صبرك بإيمانك { إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } سينصر دينه ، ويُعْلِي كلمته ، وينصر رسله في الدنيا والآخرة ، واستعن على ذلك أيضًا ، بتوقع العقوبة بأعدائك في الدنيا والآخرة ، ولهذا قال : { فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ } في الدنيا فذاك { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } قبل عقوبتهم { فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } فنجازيهم بأعمالهم ، { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ } ثم سلَّاه وصبَّره ، بذكر إخوانه المرسلين فقال :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.