تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَلَوۡلَآ أَنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُسَبِّحِينَ} (143)

139

المفردات :

المسبحين : الذاكرين .

للبث : مكث .

يوم يبعثون : يوم القيامة .

التفسير :

143-144- { فلولا أنه كان المسبحين* للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } .

أي : لولا أنه كان كثير التسبيح والذكر لله تعالى لكان بطن الحوت قبرا له إلى يوم البعث ، وهو يوم القيامة ، والمراد من التسبيح : مطلق الذكر لله تعالى .

وقال النيسابوري في تفسير الآية :

الأظهر أن المراد بالتسبيح هو ما ذكره الله تعالى في قوله : { فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين } . [ الأنبياء : 87 ، 88 ] .

وفي النص حثّ على مداومة ذكر الله ، والالتجاء إليه .

وقد قيل في الأثر : " تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة " {[558]} .

وقد اختلف في مدة مكث يونس في بطن الحوت ، فقيل : أربعون يوما ، وقيل : عشرون ، وقيل سبعة ، وقيل : ثلاثة ، وقيل : لم يمكث إلا قليلا ثم أُخرج من بطنه عقب الوقت الذي التقم فيه .

والرأي الأخير هو الأرجح لأنه هو الذي يساعد عليه السياق ، لأن الله عطف النجاة بالفاء ، فقال سبحانه وتعالى : { فنبذناه بالعراء وهو سقيم } . والفاء تدل على الترتيب والتعقيب ، ولأن رحمة الله قريب من المحسنين ، ولأن الله قال في سياق آخر : { فاستجبنا له ونجيناه من الغم . . . } [ الأنبياء : 88 ] . ولأن الله قريب من عباده .

وقد ورد في الحديث الشريف الذي أورده النيسابوري وغيره من المفسرين : " إن دعاء يونس في بطن الحوت صعد إلى العرش فسمعته الملائكة ، وكان صوتا ضعيفا ، فشفعوا له ، فأمر الله الحوت فقذفه بالساحل "

وروى عطاء : أنه حين ابتلع الحوت يونس ، أوحى الله تعالى إلى الحوت : أن قد جعلت بطنك له سجنّا ، ولم أجعله لط طعاما ، والمراد أن الله ألهم الحوت ذلك ، وحبس جهازه الهضمي عن هضمه والله أعلم .


[558]:تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة: قال العجلوني في كشف الخفاء: رواه أبو قاسم بن بشران في أماليه، وكذا القضاعي عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس بلفظ: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت إلي فقال: " يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله... " الحديث، وفيه: " قد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه، أو أرادوا أن يضروك بشيء لم يقضه الله عليك لم يقدروا عليه " وفيه:" واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا "، وأورده الضياء في المختارة وهو حسن، وله شاهد رواه عبد ابن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه بلفظ: " يا ابن عباس احفظ ا الله يحفظك، واحفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة " وذكره مطولا بسند ضعيف، ورواه أحمد والطبراني وغيرهما بسند أصح رجالا وأقوى، قال في المقاصد: وقد بسطت الكلام عليه في تخرج الأربعين.
 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{فَلَوۡلَآ أَنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُسَبِّحِينَ} (143)

{ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين } أي من الذاكرين الله تعالى كثيراً بالتسبيح كما قيل ، وفي كلام قتادة ما يشعر باعتبار الكثرة ، واستفادتها على ما قال الخفاجي من جعله من المسبحين دون أن يقال مسبحاً فإنه يشعر بأنه عريق فيهم منسوب إليهم معدود في عدادهم ومثله يستلزم الكثرة ، وقيل : من التفعيل . ورد بأن معنى سبح لم يعتبر فيه ذلك إذ هو قال سبحان الله ، وقد يقال : هي من إرادة الثبوت من { المسبحين } فإنه يشعر بأن التسبيح ديدن لهم ، والمراد بالتسبيح ههنا حقيقته وهو القول المذكور أو ما في معنها وروي ذلك عن ابن جبير .

وهذا الكون عند بعض قبل التقام الحوت إياه أيام الرخاء ، واستظهر أبو حيان أنه في بطن الحوت وأن التسبيح ما ذكره الله تعالى في قوله سبحانه : { فنادى فِى الظلمات أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سبحانك إِنّى كُنتُ مِنَ الظالمين } [ الأنبياء : 87 ] وحمله بعضهم على الذكر مطلقاً وبعض آخر على العبادة كذلك ، وجماعة منهم ابن عباس على الصلاة بل روي عنه أنه قال : كل ما في القرآن من التسبيح فهو بمعنى الصلاة ، وأنت تعلم أنه إن كان اللفظ فيما ذكر حقيقة شرعية ولم يكن للتسبيح حقيقة أخرى شرعية أيضاً لم يحتج إلى قرينة ، وإن كان مجازاً أو كان للتسبيح حقيقة شرعية أخرى احتيج إلى قرينة فإن وجدت فذاك وإلا فالأمر غير خفي عليك ، وكما اختلف في زمان التسبيح بالمعنى السابق اختلف في زمانه بالمعاني الأخر . أخرج أحمد في الزهد . وغيره عن ابن جبير في قوله تعالى : { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين } قال : من المصلين قبل أن يدخل بطن الحوت ، وأخرج أحمد وغيره أيضاً عن الحسن في الآية قال : ما كان إلا صلاة أحدثها في بطن الحوت فذكر ذلك لقتادة فقال : لا إنما كان يعمل في الرخاء ، وروي عن الحسن غير ما ذكر ، فقد أخرج عنه ابن أبي حاتم . والبيهقي في شعب الإيمان . والحاكم أنه قال في الآية : كان يكثر الصلاة في الرخاء فلما حصل في بطن الحوت ظن أنه الموت فحرك رجليه فإذا هي تتحرك فسجد وقال : يا رب اتخذت لك مسجداً في موضع لم يسجد فيه أحد .

وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك بن قيس قال : اذكروا الله تعالى في الرخاء يذكركم في الشدة فإن يونس عليه السلام كان عبداً صالحاً ذاكراً لله تعالى فلما وقع بطن الحوت قال الله تعالى : { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين } الخ وإن فرعون كان عبداً طاغياً ناسياً لذكر الله تعالى فلما أدركه الغرق قال : { آمنت أن لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين } [ يونس : 90 ] فقيل له { ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ المفسدين } [ يونس : 91 ]

والأولى حمل زمان كونه من المسبحين على ما يعم زمان الرخاء وزمان كونه في بطن الحوت فإن لاتصافه بذلك في كلا الزمانين مدخلاً في خروجه من بطن الحوت المفهوم من قوله تعالى : { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين } .