تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (49)

47

المفردات :

زوجين : صنفين مزدوجين ، ونوعين مختلفين .

التفسير :

49- { وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } .

إثراء الحياة مترتب على العلاقة بين الذكر والأنثى ، نجد ذلك في الإنسان والحيوان والنبات وغيرها ، وقد امتن الله على عباده بهذه القدرة التي تثري الحياة ، فالمطر يترتب على علاقة بين سحابة موجبة وسحابة سالبة .

قال تعالى : { وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } . ( الحجر : 22 )

وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن الرياح تلقح النبات ، لكن إذا تأملنا في الآية وجدنا أن الرياح تلقّح السحاب لينزل المطر ، والرياح فعلا تلقّح النبات ، ولها آثار أخرى ، وقد امتن الله على عباده بأنه خلق الذكر والأنثى .

قال تعالى : { وما خَلََقَ الذكر والأنثى*إنّ سعيكم لشتّى . } ( الليل : 3-4 ) .

وقال عز شأنه : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة . . . }( النحل : 72 ) .

وحين كان نوح عليه السلام يصنع سفينته للنجاة من الطوفان ، أمره الله أن يحمل فيها من كلِّ زوجين اثنين ، لتبدأ الحياة مرة أخرى بين الذكر والأنثى .

قال تعالى : { حتى إذا جاء أمرنا وفار التَّنُّور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين . . . }( هود : 40 ) .

وبالنسبة للإنسان نجد أن الله خلق الرجل والمرأة ، وحين خلق آدم خلق من ضلعه حواء ، ومن نسلهما كانت البشرية .

قال تعالى : { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالا كثيرا ونساءً . . . }( النساء : 1 ) .

ونجد مثل ذلك في الحيوان والطيور والزواحف والحشرات ، وأنواع النباتات والأزهار وغيرها .

قال الأستاذ أحمد مصطفى المراغي في تفسير قوله تعالى :

{ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } .

أي : إنا خلقنا لكل ما خلقنا من الأرض ثانيا له ، مخالفا له في مبناه والمراد منه ، وكل منهما زوج للآخر ، فخلقنا السعادة والشقاوة ، والهدى والضلال ، والليل والنهار ، والسماء والأرض ، والسواد والبياض ، لتتذكروا وتعتبروا فتعلموا أن ربكم الذي ينبغي لكم أن تعبدوه وحده لا شريك له هو الذي يقدر على خلق الشيء وخلافه ، وابتداع زوجين من كل شيء ، لا ما لا يقدر على ذلك12 .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (49)

{ وَمِن كُلّ شيء } أي من كل جنس من الحيوان { خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } نوعين ذكراً وأنثى قاله ابن زيد . وغيره وقال مجاهد : هذا إشارة إلى المتضادات والمتقابلات كالليل . والنهار . والشقوة . والسعادة . والهدى . والضلال . والسماء . والأرض والسواد . والبياض . والصحة . والمرض . إلى غير ذلك ، ورجحه الطبري بأنه أدل على القدرة ، وقيل : أريد بالجنس المنطقي ، وأقل ما يكون تحته نوعان فخلق سبحانه من الجوهر مثلاً المادي والمجرد ، ومن المادي النامي والجامد ، ومن النامي المدرك والنبات ، ومن الدرك الصامت والناطق وهو كما ترى { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي فعلنا ذلك كله كي تتذكروا فتعرفوا أنه عز وجل الرب القادر الذي لا يعجزه شيء فتعملوا بمقتضاه ولا تعبدوا ما سواه ، وقيل : خلقنا ذلك كي تتذكروا فتعلموا أن التعدد من خواص الممكنات وأن الواجب بالذات سبحانه لا يقبل التعدد والانقسام ، وقيل : المراد التذكر بجميع ما ذكر لأمر الحشر والنشر لأن من قدر على إيجاد ذلك فهو قادر على إعادة الأموات يوم القيامة وله وجه ، وقرأ أبيّ تتذكرون بتاءين وتخفيف الذال .

ومما قاله بعض أهل الإشارة : { وَمِن كُلّ شيء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [ الذاريات : 49 ] إشارة إلى أن جميع ما يرى بارزاً من الموجودا ليس واحداً وحدة حقيقية بل هو مركب ولا أقل من كونه مركباً من الإمكان ، وشيء آخر فليس الواحد الحقيقي إلا الله تعالى الذي حقيقته سبحانه إنيته