تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الروم مكية ، نزلت بعد سورة الانشقاق ، وآياتها 60 آية وقد نزلت سورة الروم في السنة التي انتصر فيها الفرس على الروم وكان ذلك قبل الهجرة بسنة .

وسميت هذه السورة بسورة الروم لقوله تعالى في أولها : { ألم*غلبت الروم } . ( الروم : 1-2 ) .

سبب نزول السورة :

قال المفسرونi : بعث كسرى جيشا إلى الروم واستعمل عليهم رجلا يسمى " شهريران " فسار إلى الروم بأهل فارس وظهر عليهم فقتلهم وخرب مدائنهم وقطع زيتونهم ، وكان قيصر قد بعث رجلا يدعى " يحنس " فالتقى مع " شهريران " بأذرعات وبصرى وهي أدنى الشام إلى أرض العرب فغلبت فارس الروم وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة فشق عليهم . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يظهر الأميون من أهل المجوس على أهل الكتاب من الروم ، وفرح كفار مكة وشمتوا ، وقالوا للمسلمين : إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم .

فأنزل الله تعالى سورة الروم وفيها ما يفيد أن أهل فارس قد غلبوا في أرض الأردن وفلسطين وهي أقرب البلاد إلى جزيرة العرب ، ثم وعد الله بأن ينتصر الروم على الفرس في جولة أخرى خلال بضع سنين . والبضع هو ما بين الثلاث إلى التسع أو العشر ، وقد التقى الجيشان في السنة السابعة من الالتقاء الأول وغلبت الروم فارس .

وعن أبي سعيد الخدري قال : لما كان يوم بدر غلب المسلمين كفار مكة وأتى المسلمون الخبر بعد ذلك والنبي والمؤمنون بالحديبية بأن الروم قد غلبوا أهل فارسii ففرح المسلمون بذلك ، لانتصار أهل الكتاب على عباد الأوثان ، فذلك قوله تعالى : { ويومئذ يفرح المؤمنون*بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم } . ( الروم : 4-5 ) .

فصلان مترابطان :

يمضي سياق سورة الروم في فصلين مترابطين :

الفصل الأول : يربط بين نصر المؤمنين والحق الذي تقوم عليه السموات والأرض وما بينهما ، ويرتبط به أمر الدنيا والآخرة ويوجه إلى سنة الله فيمن مضى قبلهم من القرون ، ويقيس عليها قضية البعث والإعادة ومن ثم يعرض عليهم مشهدا من مشاهد الكون ، وآيات الله المبثوثة في ثناياه ودلالة تلك المشاهد وإيحائها للقلوب ، ويضرب لهم من أنفسهم ومما ملكت أيمانهم مثلا يكشف عن سخافة فكرة الشرك وقيامها على الأهواء التي لا تستند إلى حق أو علم وينتهي هذا الموضوع بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اتباع الحق الواحد الثابت الواضح طريق الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، والتي لا تتبدل ولا تدور مع الهوى ، ولا يتفرق متبعوها شيعا وأحزابا كما تفرق الذين اتبعوا الهوى .

ويستغرق هذا الفصل من أول السورة إلى الآية 22 .

الفصل الثاني : يكشف هذا الفصل عما في طبيعة الناس من تقلب لا يصلح أن تقام عليه الحياة ، ما لم يرتبطوا بمعيار ثابت لا يدور مع الأهواء ويصور حالهم في الرحمة والضر وعند بسط الرزق وقبضه ويستطرد بهذه المناسبة إلى وسائل إنفاق هذا الرزق ويعود إلى قضية الشرك والشركاء فيعرضها من هذه الزاوية فإذا هم لا يرزقون ولا يميتون ولا يحيطون ويربط بين ظهور الفساد في البر والبحر وعمل الناس وكسبهم ويوجههم إلى السير في الأرض والنظر في عواقب المشركين من قبل ومن ثم يوجه الرسول صلى الله عليه وسلم على الاستقامة على دين الفطرة من قبل أن يأتي اليوم الذي يجزى فيه كل إنسان بما كسبت يداه ، ويعود بهم بعد ذلك إلى آيات الله في مشاهد الكون- كما عاد بهم في الفصل الأول- ويعقب على ذلك بأن الهدى هدى الله وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك إلا البلاغ فهو لا يهدي العمي ولا يسمع الصم ، ثم يطوف بهم في جولة جديدة في ذات أنفسهم ويذكرهم بأطوار نشأتهم من بدئها إلى منتهاها منذ الطفولة الواهنة الضعيفة إلى الموت والبعث والقيامة ويعرض عليهم مشهدا من مشاهدها ثم ينتهي هذا الموضوع ويختم معه السورة بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الصبر على دعوته وما يلقاه من الناس فيها ، والاطمئنان إلى ان وعد الله حق لا بد آت فلا يثقله الذين لا يوقنون .

ويستغرق هذا الفصل من الآية 33 إلى آخر السورة .

الأفكار العامة للسورة

الفكرة الرئيسية في سورة الروم هي الكشف عن الارتباطات الوثيقة بين أحوال الناس وأحداث الحياة وماضي البشرية وحاضرها ومستقبلها ، وسنن الوجود ونواميس الكون ومن خلال هذه الارتباطات يبدو أن كل حركة وكل حالة وكل نصر وكل هزيمة كلها مرتبطة برباط وثيق محكومة بقانون دقيق وأن مرد الأمر فيها كله لله : { لله الأمر من قبل ومن بعد . . . } ( الروم : 4 ) وهذه هي الحقيقة الأولى التي يؤكدها القرآن كله بوصفها الحقيقة الموجهة في هذه العقيدة ، الحقيقة التي تنشأ عنها جميع التصورات والمشاعر والقيم والتقديرات والتي بدونها لا يستقيم تصور ولا تقدير .

وهناك أفكار متعددة مبثوتة في ثنايا السورة منها :

ذكر أخبار القرون الماضية ، وذكر قيام الساعة وآيات التوحيد والحجج المترادفة الدالة على الذات والصفات وبيان البعث يوم القيامة ، وتمثيل حال المؤمنين والكافرين وتقرير المؤمنين على الإيمان والأمر بالمعروف والإحسان إلى ذوي القربى ووعد الثواب على أداء الزكاة والإخبار عن ظهور الفساد في البر والبحر ، وعن آثار القيامة ، وذكر عجائب الصنع في السحاب والأمطار وظهور آثار الرحمة في إنبات النبات وظهور الربيع وذكر إصدار الكفار على الكفر ، وتخليق الله الخلق مع الضعف والعجز وإحياء الخلق بعد الموت والحشر والنشر وتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم .

عالمية الدعوة الإسلامية :

لم يقف القرآن في سورة الروم عند حادث هزيمة الروم أمام الفرس ثم الوعد بغلبة الروم على الفرس . ولكنه انطلق من ذكر هذه الحادثة ليربط بين سنة الله في نصر العقيدة السماوية والحق الكبير الذي قامت عليه السماوات والأرض وما بينهما وليصل بين ماضي البشرية وحاضرها ومستقبلها .

ثم يستطرد إلى الحياة الآخرة ومشاهدها ثم يطوف بالمسلمين في مشاهد الكون ومشاهد النفس وأحوال البشر وعجائب الفطر ، ومن ثم يرتفع تصورهم لحقيقة الارتباطات وحقيقة العلاقات في هذا الكون الكبير ويشعرون بدقة السنن التي تحكم هذا الكون وتصرف أحداث الحياة وتحدد مواضع النصر ومواضع الهزيمة .

وفي ظل ذلك التصور الواسع الشامل تنكشف عالمية هذه الدعوة وارتباطها بأوضاع العالم كله من حولها .

ويدرك المسلم موقفه وموقف أمته في ذلك الخضم الهائل ويعرف قيمته وقيمة عقيدته في حساب الناس وحساب الله فيؤدي حينئذ دوره على بصيرة وينهض بتكاليفه في ثقة وطمأنينة واهتمام .

***

سورة الروم مكية وآياتها ستون نزلت بعد سورة الانشقاق

وقد بدئت سورة العنكبوت قبلها بالجهاد وختمت به ، وبدئت سورة الروم بما يفيد أن الله ينصر المؤمنين واشتملت سورة الروم على أدلة التوحيد والنظر في الآفاق والأنفس وهي معان ذكرت في سورة العنكبوت .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ آلم( 1 ) غلبت الروم( 2 ) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون( 3 ) في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون( 4 ) بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم( 5 ) وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون( 6 ) يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون( 7 ) }

التفسير :

{ آلم }

حروف للتحدي والإعجاز وبيان أن الخلق عاجزون عن الإتيان بمثل القرآن مع أنه مكون من حروف عربية ينطقون بها ويتكلمون بها وقيل : هي حروف تشير إلى أسماء الله تعالى أو صفاته ، وقيل إنها أدوات للتنبيه كالجرس الذي يقرع فيتنبه التلاميذ إلى دخول المدرسة .

   
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

سورة الروم، سورة الروم مكية...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

هذه السورة مكية، لا خلاف أحفظه في ذلك.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

مقصودها:

إثبات الأمر كله لله، فتأتي الوحدانية والقدرة على كل شيء، فيأتي البعث ونصر أوليائه، وخذلان أعدائه، وهذا هو المقصود بالذات، واسم السورة واضح الدلالة عليه بما كان من السبب في نصر الروم من الوعد الصادق والسر المكتوم...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

نزلت الآيات الأولى من هذه السورة بمناسبة معينة. ذلك حين غلبت فارس على الروم فيما كانت تضع يدها من جزيرة العرب. وكان ذلك في إبان احتدام الجدل حول العقيدة بين المسلمين السابقين إلى الإسلام في مكة قبل الهجرة والمشركين.. ولما كان الروم في ذلك الوقت أهل كتاب دينهم النصرانية، وكان الفرس غير موحدين ديانتهم المجوسية، فقد وجد المشركون من أهل مكة في الحادث فرصة لاستعلاء عقيدة الشرك على عقيدة التوحيد، وفألا بانتصار ملة الكفر على ملة الإيمان. ومن ثم نزلت الآيات الأولى من هذه السورة تبشر بغلبة أهل الكتاب من الروم في بضع سنين غلبة يفرح لها المؤمنون، الذين يودون انتصار ملة الإيمان من كل دين. ولكن القرآن لم يقف بالمسلمين وخصومهم عند هذا الوعد، ولا في حدود ذلك الحادث. إنما كانت هذه مناسبة لينطلق بهم إلى آفاق أبعد وآماد أوسع من ذلك الحادث الموقوت. وليصلهم بالكون كله، وليربط بين سنة الله في نصر العقيدة السماوية والحق الكبير الذي قامت عليه السماوات والأرض وما بينهما. وليصل بين ماضي البشرية وحاضرها ومستقبلها. ثم يستطرد بها إلى الحياة الأخرى بعد هذه الحياة الدنيا، وإلى العالم الآخر بعد عالم الأرض المحدود. ثم يطوف بهم في مشاهد الكون، وفي أغوار النفس، وفي أحوال البشر، وفي عجائب الفطر.. فإذا هم في ذلك المحيط الهائل الضخم الرحيب يطلعون على آفاق من المعرفة ترفع حياتهم وتطلقها، وتوسع آمادها وأهدافها، وتخرجهم من تلك العزلة الضيقة. عزلة المكان والزمان والحادث. إلى فسحة الكون كله: ماضيه وحاضره ومستقبله، وإلى نواميس الكون وسننه وروابطه. ومن ثم يرتفع تصورهم لحقيقة الارتباطات وحقيقة العلاقات في هذا الكون الكبير. ويشعرون بضخامة النواميس التي تحكم هذا الكون، وتحكم فطرة البشر؛ ودقة السنن التي تصرف حياة الناس وأحداث الحياة، وتحدد مواضع النصر ومواضع الهزيمة؛ وعدالة الموازين التي تقدر بها أعمال الخلق، ويقوم بها نشاطهم في هذه الأرض، ويلقون على أساسها الجزاء في الدنيا والآخرة.

وفي ظل ذلك التصور المرتفع الواسع الشامل تتكشف عالمية هذه الدعوة وارتباطها بأوضاع العالم كله من حولها -حتى وهي ناشئة في مكة محصورة بين شعابها وجبالها- ويتسع مجالها فلا تعود مرتبطة بهذه الأرض وحدها إنما هي مرتبطة كذلك بفطرة هذا الكون ونواميسه الكبرى، وفطرة النفس البشرية وأطوارها، وماضي هذه البشرية ومستقبلها. لا على هذه الأرض وحدها، ولكن كذلك في العالم الآخر الوثيق الصلة بها والارتباط. وكذلك يرتبط قلب المسلم بتلك الآفاق والآماد؛ ويتكيف على ضوئها شعوره وتصوره للحياة والقيم؛ ويتطلع إلى السماء والآخرة؛ ويتلفت حواليه على العجائب والأسرار، وخلفه وقدامه على الحوادث والمصائر. ويدرك موقفه هو وموقف أمته في ذلك الخضم الهائل؛ ويعرف قيمته هو وقيمة عقيدته في حساب الناس وحساب الله، فيؤدي حينئذ دوره على بصيرة، وينهض بتكاليفه في ثقة وطمأنينة واهتمام. ويمضي سياق السورة في عرض تلك الارتباطات، وتحقيق دلالاتها في نظام الكون، وتثبيت مدلولاتها في القلوب..

يمضي سياق السورة في شوطين مترابطين: في الشوط الأول يربط بين نصر المؤمنين والحق الذي تقوم عليه السماوات والأرض وما بينهما، ويرتبط به أمر الدنيا والآخرة. ويوجه قلوبهم إلى سنة الله فيمن مضى قبلهم من القرون. ويقيس عليها قضية البعث والإعادة. ومن ثم يعرض عليهم مشهدا من مشاهد القيامة وما يجري فيه للمؤمنين والكافرين. ثم يعود من هذه الجولة إلى مشاهد الكون، وآيات الله المبثوثة في ثناياه؛ ودلالة تلك المشاهد وإيحائها للقلوب. ويضرب لهم من أنفسهم ومما ملكت أيمانهم مثلا يكشف عن سخافة فكرة الشرك، وقيامها على الأهواء التي لا تستند إلى حق أو علم..

وينهي هذا الشوط بتوجيه الرسول [صلى الله عليه وسلم] إلى اتباع طريق الحق الواحد الثابت الواضح. طريق الفطرة التي فطر الناس عليها؛ والتي لا تتبدل ولا تدور مع الهوى؛ ولا يتفرق متبعوها فرقا وشيعا، كما تفرق الذين اتبعوا الهوى.

وفي الشوط الثاني يكشف عما في طبيعة الناس من تقلب لا يصلح أن تقام عليه الحياة. ما لم يرتبطوا بمعيار ثابت لا يدور مع الأهواء، ويصور حالهم في الرحمة والضر، وعند بسط الرزق وقبضه. ويستطرد بهذه المناسبة إلى وسائل إنفاق هذا الرزق وتنميته. ويعود إلى قضية الشرك والشركاء فيعرضها من هذه الزاوية؛ فإذا هم لا يرزقون ولا يميتون ولا يحيون. ويربط بين ظهور الفساد في البر والبحر وعمل الناس وكسبهم؛ ويوجههم إلى السير في الأرض، والنظر في عواقب المشركين من قبل. ومن ثم يوجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الاستقامة على دين الفطرة، من قبل أن يأتي اليوم الذي يجزى فيه كل بما كسبت يداه. ويعود بهم بعد ذلك إلى آيات الله في مشاهد الكون كما عاد بهم في الشوط الأول. ويعقب عليها بأن الهدى هدى الله؛ وأن الرسول [صلى الله عليه وسلم] لا يملك إلا البلاغ، فهو لا يهدي العمي ولا يسمع الصم. ثم يطوف بهم في جولة جديدة في ذات أنفسهم ويذكرهم بأطوار نشأتهم من بدئها إلى منتهاها، منذ الطفولة الواهنة الضعيفة إلى الموت والبعث والقيامة، ويعرض عليهم مشهدا من مشاهدها.

ثم ينهي هذا الشوط ويختم معه السورة بتوجيه الرسول [صلى الله عليه وسلم] إلى الصبر على دعوته، وما يلقاه من الناس فيها؛ والاطمئنان إلى أن وعد الله حق لا بد آت؛ فلا يقلقه ولا يستخفه الذين لا يوقنون. وجو السورة وسياقها معا يتعاونان في تصوير موضوعها الرئيسي. و هو الكشف عن الارتباطات الوثيقة بين أحوال الناس، وأحداث الحياة، وماضي البشرية وحاضرها ومستقبلها، وسنن الكون ونواميس الوجود. وفي ظلال هذه الارتباطات يبدو أن كل حركة وكل نأمة، وكل حادث وكل حالة، وكل نشأة وكل عاقبة، وكل نصر وكل هزيمة.. كلها مرتبطة برباط وثيق، محكومة بقانون دقيق. وأن مرد الأمر فيها كله لله: (لله الأمر من قبل ومن بعد). وهذه هي الحقيقة الأولى التي يؤكدها القرآن كله، بوصفها الحقيقة الموجهة في هذه العقيدة. الحقيقة التي تنشأ عنها جميع التصورات والمشاعر والقيم والتقديرات؛ والتي بدونها لا يستقيم تصور ولا تقدير...

.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

أغراض هذه السورة:

أول أغراض هذه السورة سبب نزولها على ما سر المشركين من تغلب الفرس على الروم، فقمع الله تعالى تطاول المشركين به وتحداهم بأن العاقبة للروم في الغلب على الفرس بعد سنين قليلة.

ثم تطرق من ذلك إلى تجهيل المشركين بأنهم لا تغوص أفهامهم في الاعتبار بالأحداث ولا في أسباب نهوض وانحدار الأمم من الجانب الرباني، ومن ذلك إهمالهم النظر في الحياة الثانية ولم يتعظوا بهلاك الأمم السالفة المماثلة لهم في الإشراك بالله، وانتقل من ذلك إلى ذكر البعث.

واستدل لذلك ولوحدانيته تعالى بدلائل من آيات الله في تكوين نظام العالم ونظام حياة الإنسان.

ثم حض النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين على التمسك بهذا الدين وأثنى عليه.

ونظر بين الفضائل التي يدعو إليها الإسلام وبين حال المشركين ورذائلهم، وضرب أمثالا لإحياء مختلف الأموات بعد زوال الحياة عنها ولإحياء الأمم بعد يأس الناس منها، وأمثالا لحدوث القوة بعد الضعف وبعكس ذلك.

وختم ذلك بالعود إلى إثبات البعث ثم بتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم ووعده بالنصر.

ومن أعظم ما اشتملت عليه التصريح بأن الإسلام دين فطر الله الناس عليه وأن من ابتغى غيره دينا فقد حاول تبديل ما خلق الله وأنى له ذلك.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

محتوى سورة الروم:

حيث إنّ هذه السورة جميعها نزلت بمكّة كما هو المشهور فإنّ محتوى السور المكية، وروحها باد عليها... أي إنّها تبحث قبل كل شيء عن المبدأ والمعاد، لأنّ فترة مكّة هي فترة تعلم الاعتقادات الإسلامية الأصلية الأساسية، كالتوحيد ومواجهة الشرك والتوجه ليوم المعاد ومحكمة العدل الإلهي والبعث والنشور.. الخ... كما تُثار خلال هذه المباحث مسائل أُخرى ترتبط بها.

ويمكن تلخيص مضامين هذه السورة في سبعة أقسام:

التنبؤ بانتصار الرُوم على الفُرس في معركة تحدث في المستقبل، وذلك لما جرى من الحديث بين المسلمين والمشركين في هذا الصدد، وسيأتي تفصيل ذلك في الصفحات المقبلة بإذن الله.

جانب من طريقة التفكير عند غير المؤمنين وكيفية أحوالهم، ثمّ التهديدات لهم بالعذاب والجزاء الإلهي في يوم القيامة.

قسم مهم من آيات «عظمة الله» في الأرض والسماء، وفي وجود الإنسان، من قبيل خروج الحي من الميت، وخروج الميت من الحيّ.. وخلق الإنسان من تراب، ونظام الزوجية بالنسبة للناس، وعلاقة المودة بين كل من الزوجين، خلق السماوات والأرض واختلاف الألسن، نعمة النوم في الليل والحركة في النهار، وظهور البرق والرعد والغيث وحياة الأرض بعد موتها، وتدبير الله لأمر السماء والأرض.

الكلام عن التوحيد «الفطري» بعد بيان دلائله في الآفاق وفي الأنفس لمعرفة الله سبحانه.

العودة إلى شرح أحوال غير المؤمنين والمذنبين وتفصيل حالاتهم، وظهور الفساد في الأرض نتيجة لآثامهم وذنوبهم.

إشارة إلى مسألة التملك، وحق ذوي القربى، وذم الربا.

العودة مرّة أُخرى إلى دلائل التوحيد، وآيات الله وآثاره، والمسائل المتعلقة بالمعاد.

وبشكل عام فإنّ في هذه السورة كباقي سور القرآن الأُخرى مسائل استدلالية و عاطفية وخطابية ممزوجة مزجاً.. حتى غدت «مزيجاً» كاملا لهداية النفوس وتربيتها.

ومن البديهي أن من جعل محتوى هذه السورة التي هي درس عامٌ للتوحيد ومحكمة القيامة الكبرى، في روحه وقلبه، وراقب الله في كل لحظة، واعتقد بيوم الجزاء حقاً، فإن تقوى الله تملأ قلبه حتى يكون حقيقاً بهذا الأجر والثواب...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

بدأت السورة بالأحرف المقطعة: ألف. لام. ميم التي اخترنا في تفسيرها أنها للتنبيه إلى أن هذا القرآن -ومنه هذه السورة- مصوغ من مثل هذه الأحرف، التي يعرفها العرب؛ وهو مع هذا معجز لهم، لا يملكون صياغة مثله، والأحرف بين أيديهم، ومنها لغتهم...

أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري 1439 هـ :

قوله تعالى: {الم}: أحسن أوجه التفسير لمثل هذه الحروف القول بأن الله أعلم بمراده به، مع الإِشارة إلى أنه أفاد فائدتين...الثانية أنهما لما كان المشركون يمنعون من سماع القرآن مخافة تأثيره على المستمع له جاء تعالى بمثل هذه الفواتح للعديد من سور كتابه فكانت تضطرهم إلى الاستماع إليه لأن هذه الحروف لم تكن معهودة في مخاطباتهم...

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الروم{[1]}

مقصودها إثبات الأمر كله لله ، فتأتي الوحدانية والقدرة على كل شيء ، فيأتي البعث ونصر أوليائه ، وخذلان أعدائه ، وهذا هو المقصود بالذات ، واسم السورة واضح الدلالة عليه بما كان من السبب في نصر الروم من الوعد الصادق والسر المكتوم { بسم الله } الذي يملك الأمر كله { الرحمن } الذي رحم الخلق كلهم بنصب الأدلة { الرحيم } الذي لطف بأوليائه فأنجاهم من كل ضار ، وحباهم كل نافع سار .

لما{[52138]} ختم سبحانه التي قبلها بأنه مع المحسنين قال : { الم* } مشيراً بألف القيام والعلو ولام{[52139]} الوصلة وميم التمام إلى أن الملك الأعلى القيوم أرسل جبرئيل عليه الصلاة والسلام - الذي هو وصلة بينه وبين أنبيائه عليهم الصلاة والسلام - إلى أشرف خلقه محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث لإتمام مكارم الأخلاق ، يوحي إليه وحياً معلماً بالشاهد والغائب ، فيأتي الأمر على ما أخبر به دليلاً على صحة رسالته ، وكمال علم مرسله ، وشمول قدرته ، ووجوب{[52140]} وحدانيته .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[52138]:من ظ ومد، وفي الأصل: ولما.
[52139]:في ظ" بلام.
[52140]:من ظ ومد، وفي الأصل: علم.