ما لهم من محيص : ما لهم من مهرب ولا مخلص من العذاب .
35- { ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص } .
إذا كانوا في يد القدرة التي إن شاءت أمسكت الريح ، وإن شاءت أرسلت الريح عاتية قوية ، تجعل السفينة كالريشة في مهب الرياح ، حتى يعلم الذين يجادلون في آيات الله بالباطل ، فينكرون الألوهية ، أو يشككون في دين الله وربوبيته أنهم مقهورون مربوبون ، ما لهم من ملجأ ولا مهرب من قدرة الله القدير .
أي : ليعلم الكفار إذا توسطوا في البحر ، وغشيتهم الرياح من كل مكان ، أنه لا ملجأ لهم سوى الله ، ولا دافع لهم إن أراد الله إهلاكهم ، فيخلصوا له العبادة .
قوله تعالى : { ويعلم } قرأ أهل المدينة والشام : { ويعلم } برفع الميم على الاستئناف كقوله عز وجل في سورة براءة : { ويتوب الله على من يشاء } ( التوبة-15 ) ، وقرأ الآخرون بالنصب على الصرف ، والجزم إذا صرف عنه معطوفه نصب ، وهو كقوله تعالى : { ويعلم الصابرين } ( آل عمران-142 ) ، صرف من حال الجزم إلى النصب استخفافاً وكراهية لتوالي الجزم . { الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص } أي : يعلم الذين يكذبون بالقرآن إذا صاروا إلى الله بعد البعث أن لا مهرب لهم من عذاب الله .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
قال: {ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص}، قال: ويعني من فرار.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَيَعْلَمَ الّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا" يقول جلّ ثناؤه: ويعلم الذين يخاصمون رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من المشركين في آياته وعبره وأدلته على توحيده...
وقوله: "ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ "يقول تعالى ذكره: ما لهم من محيد من عقاب الله إذا عاقبهم على ذنوبهم، وكفرهم به، ولا لهم منه ملجأ.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
المجادلة في آياته تخرّج على وجهين: أحدهما: أن يجادلوه في تقدير أحكام الله تعالى وفهم ما ضُمّن فيها؛ وذلك ممدوح محمود، وهو كقوله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} [العنكبوت: 46] فهذه المجادلة والمِراء المذكور في هذا محمود.
والمجادلة الثانية هي المجادلة في دفع أحكام آيات الله عن فهم ما ضُمّن فيها وهي مذمومة. وما ذُكر ههنا في دفع آيات الله والمنع عن فهم ما فيها...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان هذا كله على صورة الاختبار لن يستبصر فيدوم إخلاصه، ومن يرجع إلى العمى فلا يكون خلاصه، قال مبيناً بالنصب للصرف عن العطف على شيء من الأفعال الماضية لفساد المعنى لكونها في حيز الشرط، فيصير العلم أيضاً مشروطاً: {ويعلم الذين يجادلون} أي عند النجاة بالعفو. ولما كان مقام العظمة شديد المنافاة للمجادلة، لفت القول إليه فقال: {في آياتنا} أي هذه التي لا تضاهي عظمتها ولا تقايس جلالتها وعزتها رجوعاً إلى ما كانوا عليه من الشرك والنزاع في تمام القدرة بإنكار البعث، ومن واو الصرف يعرف أن مدخولها مفرد في تأويل المصدر لأن النصب فيها بتقدير أن فيكون مبتدأ خبره ما يدل عليه السياق فالتقدير هنا: وعلمه سبحانه بالمجادلين عند هذا حاصل، والتعبير عنه بالمضارع لإفادة الاستمرار لتجدد تعلق العلم بكل مجادل كلما حصل جدال...
ولما كان علم القادر بالمعصية موجباً لعذاب من عصاه، كان كأنه قيل: قد خسر من فعل ذلك فيا ليت شعري ما يكون حالهم؟ أجاب بقوله: {ما لهم من محيص} أي محيد ومفر أصلاً عن عذابه، ولا بشيء يسير، وإن تأخر في نظركم إيقاع العذاب بهم فإن عذابه سبحانه منه ما هو باطن وهو الاستدراج بالنعم وهذا لا يدركه إلا أرباب القلوب المقربون لدى علام الغيوب، ومنه ما هو ظاهر.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
لو شاء الله أن يقفهم أمام بأسه، ويوبق سفائنهم، وهم لا يملكون منها نجاة! وهكذا يشعرهم بأن ما يملكون من أعراض هذه الحياة الدنيا، عرضة كله للذهاب فلا ثبات ولا استقرار لشيء إلا الصلة الوثيقة بالله...
ولما كان هذا كله على صورة الاختبار لن يستبصر فيدوم إخلاصه ، ومن يرجع إلى العمى فلا يكون خلاصه ، قال مبيناً بالنصب للصرف عن العطف على شيء من الأفعال الماضية لفساد المعنى لكونها في حيز الشرط ، فيصير العلم أيضاً مشروطاً : { ويعلم الذين يجادلون } أي عند النجاة بالعفو . ولما كان مقام العظمة شديد المنافاة للمجادلة ، لفت القول إليه فقال : { في آياتنا } أي هذه التي لا تضاهي عظمتها ولا تقايس جلالتها وعزتها رجوعاً إلى ما كانوا عليه من الشرك والنزاع في تمام القدرة بإنكار البعث ، ومن واو الصرف يعرف أن مدخولها مفرد في تأويل المصدر لأن النصب فيها بتقدير أن فيكون مبتدأ خبره ما يدل عليه السياق فالتقدير هنا : وعلمه سبحانه بالمجادلين عند هذا حاصل ، والتعبير عنه بالمضارع لإفادة الاستمرار لتجدد تعلق العلم بكل مجادل كلما حصل جدال ، وقراءة نافع وابن عامر بالرفع دالة على هذا ، فإن التقدير : وهو يعلم - فالرفع هنا والنصب سواء ، قال الرضي في شرح قول ابن الحاجب في نواصب الفعل : والفاء - أي ناصبة - بشرطين : السببية ، والثاني أن يكون قبلها أحد الأشياء الثمانية ، والواو بشرطين : الجمعية وأن يكون قبلها _مثل ذلك . وقد تضمر " أن ّ الناصبة بعد الفاء والواو الواقعتين بعد الشرط قبل الجزاء نحو أن تأتني فتكرمني أو تكرمني أنت ، أو بعد الشرط والجزاء : إن تأتني إنك فأكرمك أو وأكرمك ، وذلك لمشابهة الشرط في الأول والجزاء في الثاني النفي ، إذ الجزاء مشروط ووجوده بوجود الشرط ، ووجود الشرط مفروض ، فكلاهما غير موصوفين بالوجود حقيقة ، وعليه حمل قوله تعالى { ويعلم الذين } في قراءة النصب ، ثم قال : وكذا يقول في الفعل المنصوب بعد واو الصرف أنهم لما قصدوا فيها معنى الجمعية نصبوا المضارع بعدها ليكون الصرف عن سنن الكلام المتقدم مرشداً من أول الأمر أنها ليست للعطف فهي إذن إما واو الحال وأكثر دخولها على الاسمية فالمضارع بعدها في تقدير مبتدأ محذوف الخبر وجوباً ، فمعنى قم وأقوم : قم وقيامي ثابت : أي في حال ثبوت قيامي ، وإما بمعنى مع وهي لا تدخل إلا على الاسم قصدوا ها هنا مصاحبة الفعل للفعل منصوباً ما بعدها ، فمعنى قم وأقوم : قم مع قيامي كما قصدوا في المفعول معه مصاحبة الاسم للاسم فنصبوا ما بعد الواو ، ولو جعلنا الواو عاطفة للمصدر على المصدر متصيد من الفعل قبله كما قاله النحاة ، أي لم يكن منك قيام وقيام مني ، لم يكن فيه نصوصية على معنى الجمع ، والأولى في قصد النصوصية في شيء على معنى أن يجعل على وجه يكون ظاهراً فيما قصدوا النصوصية عليه ، وإنما شرطوا في نصب ما بعد فاء السببية كون ما قبلها أحد الأشياء المذكورة أي الأمر والنهي والنفي والاستفهام والتمني والعرض والتحضيض والرجاء لأنها غير حاصلة المصادر فتكون كالشرط الذي ليس بمتحقق الوقوع ، ويكون ما بعد الفاء كجزائها ثم حملوا ما قبل واو الجمعية في وجوب كون أحد الأشياء المذكورة على ما قبل فاء السببية التي هي أكثر استعمالاً من الواو في مثل هذا الموضع أعني في انتصاب المضارع بعدها ، وذلك لمشابهة الواو للفاء في أصل العطف ، وفي صرف ما بعدهما عن سنن العطف لقصد السببية في إحداهما والجمعية في الأخرى ، ولقرب الجمعية من التعقب الذي هو لازم السببية ثم قال : وكذا ربما لم يصرف بعد واو الجمعية إلى النصب أمنا من اللبس نحو ائتني وأكرمك بالرفع ، لأن واو الحال قد تدخل على المضارع المثبت كما ذكرنا في باب الحال ، نحو قمت وأضرب زيداً أي وأنا أضرب .
ولما كان علم القادر بالمعصية موجباً لعذاب من عصاه ، كان كأنه قيل : قد خسر من فعل ذلك فيا ليت شعري ما يكون حالهم ؟ أجاب بقوله : { ما لهم من محيص * } أي محيد ومفر أصلاً عن عذابه ، ولا بشيء يسير ، وإن تأخر في نظركم إيقاع العذاب بهم فإن عذابه سبحانه منه ما هو باطن وهو الاستدراج بالنعم وهذا لا يدركه إلا أرباب القلوب المقربون لدى علام الغيوب ، ومنه ما هو ظاهر ، ويجوز أن يكون " الذين " فاعل " يعلم " ، وحينئذ تكون هذه الجملة في محل نصب لسدها مسد مفعول العلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.