تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{۞قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ} (11)

{ قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون( 11 ) ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون( 12 ) ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين( 13 ) فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون( 14 ) }

المفردات :

يتوفاكم : يقبض أرواحكم يقال توفاه الله أي استوفى روحه وقبضها .

التفسير :

{ قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلي ربكم ترجعون . . . }

أي قل للمشركين يا محمد : إن ملك الموت الموكل بقبض أرواحكم سيقبضها في الوقت المحدد لانتهاء الأجل .

{ ثم إلى ربكم ترجعون . . . }

بالبعث والحساب والجزاء وهو تهديد لهم ووعيد . ونلحظ أن الله تعالى أضاف الموت إلى الملائكة فقال : توفته رسلنا وهم لا يفرطون . ( الأنعام : 61 ) .

وأضافه إلى ملك الموت في هذه الآية فقال : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم . . . .

قال القرطبي : واسمع عزرائيل ومعناه عبد الله وتصرفه كله بأمر الله تعالى فهو سبحانه الفاعل حقيقة لكل فعل قال تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها . ( الزمر : 42 ) .

وقال تعالى : هو الذي يحيي ويميت . . . ( غافر : 68 ) .

وقال تعالى : الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا . . . ( الملك : 2 ) .

فملك الموت يقبض والأعوان يعالجون والله تعالى يزهق الروح ، وهذا هو الجمع بين الآي والأحاديث .

وروى عن مجاهد : أن الدنيا بين يدي ملك الموت كالطست بين يدي الإنسان يأخذ من حيث شاء وقد روى هذا المعنى مرفوعا .

وروى أن ملك الموت لما وكله الله تعالى بقبض الأرواح قال رب جعلتني أذكر بسوء ويشتمني بنو آدم فقال الله تعالى إني أجعل للموت عللا وأسبابا من الأمراض والأسقام ينسبون الموت إليها فلا يذكرك أحد إلا بخير .

وروى أن ملك الموت يدعو الأرواح فتجيئه ويقبضها ثم يسلمها إلى ملائكة الرحمة أو العذاب . vi

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ} (11)

قوله تعالى : { قل يتوفاكم } يقبض أرواحكم ، { ملك الموت الذي وكل بكم } أي : وكل يقبض أرواحكم وهو عزرائيل ، والتوفي استيفاء العدد المضروب للخلق في الأزل معناه أنه يقبض أرواحهم حتى لا يبقى أحد من العدد الذي كتب عليه الموت . وروي أن ملك الموت جعلت له الدنيا مثل راحة اليد يأخذ منها صاحبها ما أحب من غير مشقة ، فهو يقبض أنفس الخلق في مشارق الأرض ومغاربها ، وله أعوان من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب . فملائكة الرحمة للمؤمنين ، وملائكة العذاب للكافرين ، وقال ابن عباس : إن خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب . وقال مجاهد : جعلت له الأرض مثل طست يتناول منها حيث يشاء . وفي بعض الأخبار : أن ملك الموت على معراج بين السماء والأرض فينزع أعوانه روح الإنسان فإذا بلغ ثغره نحره فقبضه ملك الموت . وروى خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال : إن لملك الموت حربة تبلغ ما بين المشرق والمغرب ، وهو يتصفح وجوه الناس ، فما من أهل بيت إلا وملك الموت يتصفحهم في كل يوم مرتين ، فإذا رأى إنساناً قد انقضى أجله ضرب رأسه بتلك الحربة ، وقال : الآن تنزل بك سكرات الموت . قوله : { ثم إلى ربكم ترجعون } أي : تصيرون إليه أحياءً فيجزيكم بأعمالكم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{۞قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ} (11)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله: يتوفاكم ملك الموت، يقول: يستوفي عددكم بقبض أرواحكم ملك الموت الذي وكل بقبض أرواحكم...

"ثُمّ إلى رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ" يقول: من بعد قبض ملك الموت أرواحكم إلى ربكم يوم القيامة تردّون أحياء كهيئتكم قبل وفاتكم، فيجازى المحسن منكم بإحسانه، والمُسيء بإساءته.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

أي يقبض أرواحكم، والتوفي: أخذ الشيء على تمام، مأخوذ من توفية العدد، ومنه قولهم استوفيت دَيْني من فلان.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فلما ذكر كفرهم بالإنشاء. أضرب عنه إلى ما هو أبلغ في الكفر، وهو أنهم كافرون بجميع ما يكون في العاقبة، لا بالإنشاء وحده: ألا ترى كيف خوطبوا بتوفي ملك الموت وبالرجوع إلى ربهم بعد ذلك مبعوثين للحساب والجزاء، وهذا معنى لقاء الله على ما ذكرنا والتوفي: استيفاء النفس وهي الروح. قال الله تعالى: {الله يَتَوَفَّى الأنفس} [الزمر: 42] وقال: أخرجوا أنفسكم، وهو أن يقبض كلها لا يترك منها شيء.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{الذي وكل بكم} إشارة إلى أنه لا يغفل عنكم وإذا جاء أجلكم لا يؤخركم إذ لا شغل له إلا هذا.

{يتوفاكم ملك الموت} ينبئ عن بقاء الأرواح فإن التوفي الاستيفاء والقبض هو الأخذ والإعدام المحض ليس بأخذ.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما ذكر استبعادهم، وأتبعه عنادهم، وكان إنكارهم إنما هو بسبب اختلاط الأجزاء بالتراب بعد انقلابها تراباً، فكان عندهم من المحال تمييزها من بقية التراب. دل على أن ذلك عليه هين بأن نبههم على ما هم مقرّون به مما هو مثل ذلك بل أدق. فقال مستأنفاً: {قل} أي جواباً لهم عن شبهتهم: {يتوفاكم} أي يقبض أرواحكم كاملة من أجسادكم بعد أن كانت مختلطة بجميع أجزاء البدن، لا تميز لأحدهما عن الآخر بوجه تعرفونه بنوع حيلة {ملك الموت} ثم أشار إلى أن فعله بقدرته، وأن ذلك عليه في غاية السهولة، ببناء الفعل لما لم يسم فاعله فقال: {الذي وكل بكم} أي وكله الخالق لكم بذلك، وهو عبد من عبيده، ففعل ما أمر به، فإذا البدن ملقى لا روح في شيء منه وهو على حاله كاملاً لا نقص في شيء منه يدعي الخلل بسببه، فإذا كان هذا فعل عبد من عبيده صرفه في ذلك فقام به على ما ترونه مع أن ممازجة الروح للبدن أشد من ممازجة تراب البدن لبقية التراب لأنه ربما يستدل بعض الحذاق على بعض ذلك بنوع دليل من شم ونحوه، فكيف يستبعد شيء من الأشياء على رب العالمين، ومدير الخلائق أجمعين؟.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{يتوفاكم مَّلَكُ الموت} لا كما تزعمون أنَّ الموتَ من الأحوالِ الطَّبيعيةِ العارضةِ للحيوانِ بموجبِ الجبلَّةِ.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هكذا في صورة الخبر اليقين.. فأما ملك الموت من هو؟ وكيف يتوفى الأنفس فهذا من غيب الله، الذي نتلقى خبره من هذا المصدر الوثيق الأكيد. ولا زيادة على ما نتلقاه من هذا المصدر الوحيد.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

فالمقصود من الجملة هو قوله {ثم إلى ربكم ترجعون} إذ هو مناط إنكارهم، وأما إنهم يتوفّاهم ملك الموت فذكره لتذكيرهم بالموت وهم لا ينكرون ذلك ولكنهم ألهتهم الحياة الدنيا عن النظر في إمكان البعث والاستعداد له فذكروا به ثم أدمج فيه ذكر ملك الموت لزيادة التخويف من الموت والتعريض بالوعيد.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{۞قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ} (11)

فيه مسألتان :

الأولى- قوله تعالى : " قل يتوفاكم ملك الموت " لما ذكر استبعادهم للبعث ذكر توفيهم وأنه يعيدهم . " يتوفاكم " من توفى العدد والشيء إذا استوفاه وقبضه جميعا . يقال : توفاه الله أي استوفى روحه ثم قبضه . وتوفيت مالي من فلان أي استوفيته . " ملك الموت " واسمه عزرائيل ومعناه عبد الله ، كما تقدم في " البقرة " {[12653]} . وتصرفه كله بأمر الله تعالى وبخلقه واختراعه . وروي في الحديث أن ( البهائم كلها يتوفى الله أرواحها دون ملك الموت ) كأنه يعدم حياتها ، ذكره ابن عطية .

قلت : وقد روي خلافه ، وأن ملك الموت يتوفى أرواح جميع الخلائق حتى البرغوث والبعوضة . روى جعفر بن محمد عن أبيه قال : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( ارفق بصاحبي فإنه مؤمن ) فقال ملك الموت عليه السلام : ( يا محمد ، طب نفسا وقر عينا فإني بكل مؤمن رفيق . واعلم أن ما من أهل بيت مدر ولا شعر في بر ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات حتى لأنا أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم . والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها ) . قال جعفر بن علي : بلغني أنه يتصفحهم عند مواقيت الصلوات ، ذكره الماوردي . وذكر الخطيب أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي قال : حدثني أبو محمد الحسن بن محمد الخلال قال : حدثنا أبو محمد عبدالله بن عثمان الصفار قال حّدثنا أبو بكر حامد المصري قال حدثنا يحيى ابن أيوب العلاف قال حدثنا سليمان بن مهير الكلابي قال : حضرت مالك بن أنس رضي الله عنه فأتاه رجل فسأله : أبا عبد الله ، البراغيث أملك الموت يقبض أرواحها ؟ قال : فأطرق مالك طويلا ثم قال : ألها أنفس ؟ قال نعم . قال : ملك الموت يقبض أرواحها ، " الله يتوفى الأنفس حين موتها " {[12654]} [ الزمر :42 ] . قال ابن عطية بعد ذكره الحديث وكذلك الأمر في بني آدم ، إلا أنه نوع شرف بتصرف ملك وملائكة معه في قبض أرواحهم . فخلق الله تعالى ملك الموت وخلق على يديه قبض الأرواح ، واستلالها من الأجسام وإخراجها منها . وخلق الله تعالى جندا يكونون معه يعملون عمله بأمره ، فقال تعالى : " ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة " {[12655]} ، [ الأنفال : 50 ] وقال تعالى : " توفته رسلنا " [ الأنعام : 61 ] وقد مضى هذا المعنى في " الأنعام " {[12656]} . والبارئ خالق الكل ، الفاعل حقيقة لكل فعل ، قال الله تعالى : " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها " [ الزمر : 42 ] . " الذي خلق الموت والحياة " {[12657]} [ الملك : 2 ] . " يحيي ويميت " [ الأعراف : 158 ] . فملك الموت يقبض والأعوان يعالجون والله تعالى يزهق الروح . وهذا هو الجمع بين الآي والأحاديث ، لكنه لما كان ملك الموت متولي ذلك بالوساطة والمباشرة أضيف التوفي إليه كما أضيف الخلق للملك ؛ كما تقدم في " الحج " {[12658]} . وروي عن مجاهد أن الدنيا بين يدي ملك الموت كالطست بين يدي الإنسان يأخذ من حيث شاء . وقد روي هذا المعنى مرفوعا ، وقد ذكرناه في ( كتاب التذكرة ) . وروي أن ملك الموت لما وكله الله تعالى بقبض الأرواح قال : رب جعلتني أذكر بسوء ويشتمني بنو آدم . فقال الله تعالى له : ( إني أجعل للموت عللا وأسبابا من الأمراض والأسقام ينسبون الموت إليها فلا يذكرك أحد إلا بخير ) . وقد ذكرناه في التذكرة مستوفى - وقد ذكرنا أنه يدعو الأرواح فتجيئه ويقبضها ، ثم يسلمها إلى ملائكة الرحمة أو العذاب - بما فيه شفاء لمن أراد الوقوف على ذلك .

الثانية- استدل بهذه الآية بعض العلماء على جواز الوكالة من قوله : " وكل بكم " أي بقبض الأرواح . قال ابن العربي : " وهذا أخذ من لفظه لا من معناه ، ولو اطرد ذلك لقلنا في قوله تعالى : " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم{[12659]} جميعا " [ الأعراف : 158 ] : إنها نيابة عن الله تبارك وتعالى ووكالة في تبليغ رسالته ، ولقلنا أيضا في قوله تبارك وتعالى : " وآتوا الزكاة " [ النور : 56 ] إنه وكالة ، فإن الله تعالى ضمن الرزق لكل دابة وخص الأغنياء بالأغذية وأوعز إليهم بأن رزق الفقراء عندهم ، وأمر بتسليمه إليهم مقدارا معلوما في وقت معلوم ، دبره بعلمه ، وأنفذه من حكمه ، وقدره بحكمته . والأحكام لا تتعلق بالألفاظ إلا أن ترد على موضوعاتها الأصلية في مقاصدها المطلوبة ، فإن ظهرت في غير مقصدها لم تعلق عليها . ألا ترى أن البيع والشراء معلوم اللفظ والمعنى ، وقد قال تعالى : " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " {[12660]} [ التوبة : 111 ] ولا يقال : هذه الآية دليل على جواز مبايعة السيد لعبده ؛ لأن المقصدين مختلفان . أما إنه إذا لم يكن بد من المعاني فيقال : إن هذه الآية دليل على أن للقاضي أن يستنيب من يأخذ الحق ممن هو عليه قسرا دون أن يكون له في ذلك فعل ، أو يرتبط به رضا إذا وجد ذلك .


[12653]:راجع ج 2 ص 38.
[12654]:راجع ج 15 ص 260 فما بعد.
[12655]:راجع ج 8 ص 28.
[12656]:راجع ج 7 ص 6 و ص 99.
[12657]:راجع ج 18 ص 206.
[12658]:راجع ج 12 ص 7 و ص 99.
[12659]:راجع ج 7 ص 301 فما بعد.
[12660]:راجع ج 8 ص 266 فما بعد.