فقضاهنّ : خلقهنّ وصيّرهن وأكملهن وفرغ منهنّ .
وأوحى في كل سماء أمرها : وخلق في كل منها ما أعدّ لها .
وحفظا : حفظناها من استراق الشياطين السمع .
تقدير العزيز العليم : تقدير البالغ التامّ في القدرة والعلم .
12- { فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم } .
فأتم خلق السماوات السبع في مقدار يومين أو نوبتين .
{ وأوحى في كل سماء أمرها . . . }
أي : جعل فيها النظام الذي تجري عليه الأمور فيها .
قال قتادة : خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وأفلاكها .
{ وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم } .
السماء القريبة من الأرض جعلنا فيها النجوم زينة للسماء كالمصابيح ، وهذه النجوم لحفظ السماء من الشياطين التي تحاول استراق السمع ، وهي أيضا هداية للسائرين في البر والبحر ، يعرفون منها اتجاه القبلة ، ويعرفون منها الجهات الأربع الأصلية ، ذلك النظام البديع هو تقدير الله القوي الغالب ، العليم بمصالح عباده وحاجاتهم .
وتفيد الآيات جلال القدرة الإلهية المبدعة التي خلقت الأرض مكانا فسيحا ، ومائدة عامرة يأكل منها الإنسان والحيوان والطير ، وخلقت السماء سقفا مرفوعا مزينا بالنجوم ، محفوظا بالشهب من الشياطين المتمردين ، مزودا بأسباب هداية السائرين في المحيطات وفي الصحراء ، مثل النجم القطبي ، ومجموعة من النجوم على شكل مغرفة ، تسمى مجموعة كاثيوبيا ، نعرف منها جهة الجنوب ، وبالتالي نعرف جهة الشمال ثم الشرق والغرب .
وتفيد الآيات أن لهذا الكون إلها خالقا رازقا ، يحفظ الكون ويمسك بزمامه ، وكان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عند النوم : " اللهم رب السماء وما أظلت ، والأرضين وما أقلّت ، والشياطين وما أضلت ، كن لي جارا من شرار خلقك ، عزّ جارك " . {[643]}
وقال تعالى : { إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا } . ( فاطر : 41 ) .
{ فقضاهن } أي خلقهن وصنعهن حال كونهن معدودات { سبع سماوات } صنعاً نافذاً هو كالقضاء لا تخلف فيه { في يومين } أي الخميس والجمعة إذا حسب مقدار ما يخصهن من التكوين في الستة الأيام التي كان فيها جميع الخافقين ، وما بينهما كان بمقدار ما خص واحداً من الأرض ومن أقواتها لا يزيد على مدة منهما ولا ينقص ، فيكون الذي خصهما ثلث المجموع ، قال ابن جرير : وإنما سمي يوم الجمعة لأن الله تعالى جمع فيه خلق السماوات والأرض . يعني فرغ من ذلك وأتمه { وأوحى } أي ألقى بطريق خفي وحكم مبتوت قوي { في كل سماء أمرها } أي الأمر الذي دبرها ودبر منافعها به على نظام محكم لا يختل ، وزمام مبرم لا ينحل .
ولما عم ، خص ما للتي تلينا إشارة إلى تشريفنا ، فقال صارفاً القول إلى مظهر العظمة تنبيهاً على ما في هذه الآية من العظم : { وزينّا } أي بما لنا من العظمة { السماء الدنيا } أي القربى إليكم لأجلكم { بمصابيح } من زواهر النجوم ، وشفوفها عنها لا ينافي أن تكون في غيرها مما هو أعلى منها ، ودل السياق على أن المراد : زينة { و } حفظناها بها { حفظاً } من الشياطين ، فالآية من الاحتباك : حذف فعل الحفظ بدلالة المصدر ، ومصدر الزينة بما دل عليه من فعلها .
ولما كان هذا أمراً باهراً ، نبه على عظمته بقوله صارفاً الخطاب إلى صفتي العز والعلم إعلاماً بأنهما أساس العظمة ومدارها : { ذلك } أي الأمر الرفيع والشأن البديع { تقدير العزيز } الذي لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء { العليم * } المحيط علماً بكل شيء وكما قدر سبحانه ذلك بعزته وعلمه قضى أنه لا يفيد العز الدائم إلا ما شرعه من العلم ، وفي ختمه بالوصفين بشارة للأمة التي خوطبت بهما أنه يوتيها من عزه وعلمه لا سيما بالهبة وما شاكلها من الطبائع وغيرها ما لم يؤت أمة من الأمم قبلها ، وسر خلقه سبحانه العالم في مدة ولم يكن قي لمحة وجعلها ستة لا أقل ولا أكثر أنه لو خلقه في لمحة لكان ذلك شبهة لمن يقول : إنه فاعل بالذات لا بالاختيار ، فاقتضى الحال عدداً ، ثم اقتضى الحال أن يكون ستة لأنها أول عدد يدل على الكمال لأنها عدد تام كسورها لا تزيد عنها ولا تنقص ، فآذن ذلك بأن للفاعل نعوت الكمال وأوصاف التمام والتعال ، ولم يخلقه فيما دون ذلك من العدد لأنه ناقص ، وخلق الأرض في يومين لأن الاثنين عدد يدل على الفردانية فهو قائد للعبيد إلى التوحد ، وجعل اليومين مكررين باعتبار الذات والمنافع إيذاناً بما يقع فيها من المعصية بالشرك الذي هو تثنية وإفك ، ولم يكرر في السماء لأن آياتها أدل على التوحيد ولم يحصل من أهلها ما يدل على الوعيد ، وليكون إيجادها في أقل من مدة الأرض - مع أنها أكبر جرماً وأعجب صنعاً وأتقن جسماً - أدل على الفعل بالاختيار بعجائب الحكم وغرائب الأسرار الكبار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.