تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ} (14)

11

المفردات :

جميعا : أي : مجتمعين .

محصنة : أي : بالدروب والخنادق وغيرها .

جدر : حيطان ، واحدها جدار .

بأسهم : أي : الخلاف بينهم دائم .

شتى : متفرقة ، واحدها شتيت .

التفسير :

14- { لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ } .

أي : إن هؤلاء اليهود والمنافقون قد ألقي الرعب في قلوبهم ، فلا يواجهونكم بقتال مجتمعين ، لأن الخوف والهلع بلغا منهم كل مبلغ ، بل يقاتلونكم في قرى محصنة بالدروب والخنادق ونحوها ، ومن وراء الجدر والحيطان وهم محاصرون .

ثم بين أن من أسباب هذا الجبن والخوف والتخاذل وعدم الاتحاد حين اشتداد الخطوب ، فقال :

{ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ . . . }

أي : بعضهم عدو لبعض ، فلا يمكن أن يقاتلوا عدوا لهم وهم في تخاذل وانحلال ، ومن ثم استكانوا وذلوا .

وفي هذا عبرة للمسلمين في كل زمان ومكان ، فإن الدول الإسلامية ما هدّ كيانها ، وأضعفها أمام أعدائها إلا تخاذلها أفرادا وجماعات .

{ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى . . . . }

أي : إنك أيها الرسول إذا رأيتهم مجتمعين خِلْتهم متفقين ، وهم مختلفون غاية الاختلاف لما بينهم من إحن وعداوات ، فهم لا يتعاضدون ولا يتساندون ولا يرمون عن قوس واحدة .

وفي هذا تشجيع للمؤمنين على قتالهم ، وحث للعزائم الصادقة على حربهم ، فإن المقاتل متى عرف ضعف خصمه ازداد نشاطا ، وازدادت حميته ، وكان ذلك من أسباب نصرته عليه .

ثم بيّن أسباب التفرق وانحلال الوحدة ، فقال :

{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ } .

أي : ذلك التفرق من جراء أن أفئدتهم هواء ، فهم قوم لا يفقهون سر نظم هذه الحياة ، ولا يعلمون أن الوحدة هي سر النجاح ، ومن ثم تخاذلوا وتفرقت كلمتهم ، واختلف جمعهم ، واستهان بهم عدوهم ، ودارت عليهم الدائرة .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ} (14)

{ لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدار } أي : لا يقدرون على قتالكم مجتمعين إلا وهم في قرى محصنة بالأسوار والخنادق أو من وراء الحيطان دون أن يخرجوا إليكم .

{ بأسهم بينهم شديد } يعني : عداوة بعضهم لبعض .

{ تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى } أي : تظن أنهم مجتمعون بالألفة والمودة وقلوبهم متفرقة بالمخالفة والشحناء .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ} (14)

قوله : { لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة } يعني لا يقاتلكم اليهود مجتمعين إلا وهم متمكنون في حصونهم المنيعة التي يصعب اقتحامها أو اختراقها والسيطرة عليها إلا بسلطان من الله وعونه ومدده { أو من وراء جدر } يعني أو يقاتلونكم من خلف حواجز قوية مكينة ، يستترون بها ليقاتلوكم من ورائها .

وفي قوله ههنا { جدر } بالتنكير لا التعريف ما يثير الانتباه ويلفت النظر .

فهؤلاء القوم لا يجرؤون على قتال المسلمين إلا من خلف جدر صلبة تقيهم الضربات من أمامهم . ولئن كانت الجدر الواقية فيما مضى تعني الحيطان الواقية ، فهي في العصر الراهن صفائح سميكة ومتينة من الحديد الصلب الذي تتركب منه الحافلات والناقلات والدبابات . فما كان ليهود أن يجرؤوا على قتال المسلمين في معركة من المعارك إلا أن يحسبوا لذلك كل حساب ثم يقاتلون وهم محصنون في أجواف الدبابات المنيعة الصلبة ، يستترون بجدرها الواقية القوية .

قوله : { بأسهم بينهم شديد } يعني عداوة بعضهم لبعض شديدة فهم فيما بينهم متدابرون وإنما يتناسبون مباغضاتهم فيما بينهم إذا دهمهم العدو لقتالهم أو حزبتهم الشدائد من الخارج .

قوله : { تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى } أي تحسب أن هؤلاء اليهود مؤتلفون متوادون فيما بينهم ولكنهم في الحقيقة ، قلوبهم متنافرة متباغضة . فهم أولو أهواء كثيرة ومختلفة فتختلف بذلك قلوبهم . وهم لا يجتمعون إلا ليواجهوا المسلمين في قتال أو حرب وحينئذ يتعارفون ويتلاقون ثم تنقلب قلوبهم في أحوال السلم لتكون متفرقة شتى .

قوله : { ذلك بأنهم قوم لا يعقلون } سبب ضلالهم وفسقهم وما بينهم من المباغضات وتفرق القلوب أنهم { قوم لا يعقلون } لا يعلمون أن الصواب في منهج الله الحق وفي سبيله المستقيم . وإنما يتبعون أهواءهم وما تحفزهم إليه شهواتهم ومصالحهم .