فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ} (14)

ثم أخبر سبحانه بمزيد فشلهم وضعف نكايتهم فقال :

{ لا يقاتلونكم جميعا } يعني لا يبرز اليهود والمنافقون مجتمعين لقتالكم ، ولا يقدرون على ذلك { إلا في قرى محصنة } بالدروب والدور والخنادق { أو من وراء جدر } أي من خلف الحيطان التي يستترون بها لجبنهم ورهبتهم قرأ الجمهور جدر بالجمع ، وقرئ جدار بالإفراد ، واختار الأولى أبو عبيد وأبو حاتم ، لأنها موافقة لقوله : { قرى محصنة } ، وهما سبعيتان وقرئ جدر بفتح الجيم وإسكان الدال ، وهي لغة في الجدار .

{ بأسهم بينهم شديد } أي بعضهم فظ غليظ على بعض ، وقلوبهم مختلفة ، ونياتهم متباينة ، قال السدي : المراد اختلاف قلوبهم حتى لا يتفقوا على أمر واحد ، وقال مجاهد : { بأسهم بينهم شديد } بالكلام والوعيد ، لنفعلن كذا ، والمعنى أنهم إذا انفردوا نسبوا أنفسهم إلى الشدة والبأس ، وإذا لاقوا عدوا ذلوا وخضعوا وانهزموا ، وقيل : المعنى أن بأسهم بالنسبة إلى أقرانهم شديد ، وإنما ضعفهم بالنسبة إليكم لما قذف الله في قلوبهم من الرعب ، والأول أولى لقوله : { تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى } فإنه يدل على أن اجتماعهم إنما هو في الظاهر مع تخالف قلوبهم في الباطن ، وهذا التخالف هو البأس الذي بينهم ، والموصوف بالشدة ، والجملة حالية أو مستأنفة للإخبار بذلك .

والعامة على أن شتى بلا تنوين لأنها ألف تأنيث ، ومعنى شتى متفرقة ، قال مجاهد : يعني اليهود والمنافقين ، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ، أي لافتراق عقائدهم ، واختلاف مقاصدهم ، وروي عنه أيضا انه قال : المراد المنافقون ، وقال الثوري : هم المشركون وأهل الكتاب ، قال قتادة : { تحسبهم جميعا } أي مجتمعين على أمر ، ورأي ، وقلوبهم متفرقة ، فأهل الباطل مختلفة آراؤهم ، مختلفة شهادتهم ، مختلفة أهواؤهم ، وهم يجتمعون في عداوة أهل الحق ، وقرأ ابن مسعود وقلوبهم أشت أي أشد اختلافا ، قال ابن عباس في الآية : هم المشركون ، وهذا تجسير للمؤمنين ، وتشجيع لقلوبهم على قتالهم .

{ ذلك بأنهم } أي ذلك الاختلاف والتشتت بسبب أنهم { قوم لا يعقلون } شيئا مما فيه صلاحهم ، فإن تشتيت القلوب يوهن قواهم ، ولو عقلوا لعرفوا الحق واتبعوه .