فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ} (14)

{ لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون( 14 ) } .

لا يقوى اليهود والمنافقون على قتال المؤمنين مجتمعين متففين إلا أن يتترسوا بالبروج والقلاع المنيعة ؛ لأن الله المجيد ، الفعال لما يريد ، كتب على نفسه أن يملأ نفوسهم هيبة لأهل الدين الحق ، وفزعا ورعبا منهم : { . . . سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب . . . }{[6484]} وعباد الطاغوت لا يكادون يقفون لشيء : { إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين }{[6485]} وهكذا كان شأنه معهم يوم الفرقان{[6486]} : { وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب }{[6487]} . ومهما تراءوا متفقين متجمعين فإنهم دائما- في حقيقة أمرهم- متخالفين متنابذين : { . . . كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين }{[6488]} ؛ ومرد هذا الوهن راجع إلى ذهاب عقولهم إذ لو عقلوا لم يغالبوا الله القوي الغلاب ؛ ولا ناؤوا جنده وحزبه .

[ وإنما قال ههنا : { ذلك بأنهم قوم لا يعقلون } وفي الأول : { لا يفقهون } لأن الفقه معرفة ظاهر الشيء وغامضه ، فنفى عنهم ذلك كما قلنا ، وأراد ههنا أنهم لو عقلوا لاجتمعوا على الحق ولم يتفرقوا ؛ فتشتتهم دليل عدم عقلهم ، لأن العقل يحكم بأن الاجتماع معين على المطلوب ، وأن التفرق يوهن القوى ، ولا سيما إذا كانوا مبطلين ] . {[6489]} .


[6484]:- سورة الأنفال. من الآية 12.
[6485]:- سورة آل عمران. الآية 175.
[6486]:- يوم بدر، فرق الله تعالى فيه بين الحق والباطل.
[6487]:- سورة الأنفال، الآية 48.
[6488]:- سورة المائدة. من الآية 64.
[6489]:- مما نقله صاحب غرائب القرآن ورغائب الفرقان