البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ} (14)

{ لا يقاتلونكم } : أي بنو النضير وجميع اليهود .

وقيل : اليهود والمنافقون { جميعاً } : أي مجتمعين متساندين يعضد بعضهم بعضاً ، { إلا في قرى محصنة } : لا في الصحراء لخوفهم منكم ، وتحصينها بالدروب والخنادق ، أو من وراء جدار يتسترون به من أن تصيبوهم .

وقرأ الجمهور : { جدر } بضمتين ، جمع جدار ؛ وأبو رجاء والحسن وابن وثاب : بإسكان الدال تخفيفاً ، ورويت عن ابن كثير وعاصم والأعمش .

وقرأ أبو عمرو وابن كثير وكثير من المكيين : جدار بالألف وكسر الجيم .

وقرأ كثير من المكيين ، وهارون عن ابن كثير : جدر بفتح الجيم وسكون الدال .

قال صاحب اللوامح : وهو واخذ بلغة اليمن .

وقال ابن عطية : ومعناه أصل بنيان كالسور ونحوه .

قال : ويحتمل أن يكون من جدر النخل ، أي من وراء نخلهم ، إذ هي مما يتقى به عند المصافة .

{ بأسهم بينهم شديد } : أي إذا اقتتلوا بعضهم مع بعض .

كان بأسهم شديداً ؛ أما إذا قاتلوكم ، فلا يبقى لهم بأس ، لأن من حارب أولياء الله خذل .

{ تحسبهم جميعاً } : أي مجتمعين ، ذوي ألفة واتحاد .

{ وقلوبهم شتى } : أي وأهواؤهم متفرقة ، وكذا حال المخذولين ، لا تستقر أهواؤهم على شيء واحد ، وموجب ذلك الشتات هو انتفاء عقولهم ، فهم كالبهائم لا تتفق على حالة .

وقرأ الجمهور : { شتى } بألف التأنيث ؛ ومبشر بن عبيد : منوناً ، جعلها ألف الإلحاق ؛ وعبد الله : وقلوبهم أشت : أي أشد تفرقاً ، ومن كلام العرب : شتى تؤوب الحلبة .

قال الشاعر :

إلى الله أشكوا فتية شقت العصا *** هي اليوم شتى وهي أمس جميع