قوله تعالى : { لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً } يعني اليهود والمنافقين لا يقدرون على مقاتلتكم مجتمعين «إلاَّ » إذا كانوا { فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ } بالخنادق والدُّروب{[56017]} والحيطان [ يظنُّون ]{[56018]} أنها تمنعهم منكم ، { أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ } أي : من خلف حيطانٍ يستترون بها لجبنهم ورهبتهم{[56019]} .
قوله : «جَمِيعاً » حال ، و{ إِلاَّ فِي قُرًى } متعلق ب «يُقَاتِلُونَكُمْ »{[56020]} .
قرأ ابن كثير{[56021]} وأبو عمرو : «جدار » بالإفراد . وفيه أوجه{[56022]} :
أحدها : أنه السُّورُ ، والسُّورُ الواحد يعم الجميع من المقاتلة ويسترهم .
والثاني : أنه واحد في معنى الجمع لدلالة السياق عليه .
والثالث : أن كل فرقة منهم وراء جدار لا أنهم كلهم وراء جدار .
والباقون قرأوا : «جُدُر » - بضمتين - اعتباراً بأن كل فرقة وراء جدار ، فجمع لذلك .
وقرأ الحسن وأبو{[56023]} رجاء وابن وثاب والأعمش ، ويروى عن ابن كثير وعاصم : بضمة وسكون ؛ وهي تخفيف الأولى ، وقرأ ابن كثير - أيضاً{[56024]} - في رواية هارون عنه ، وهي قراءة كثير من المكيين : «جَدْر » بفتحة وسكون .
وقال ابن عطية{[56025]} : معناه أصل بنيات كالسور ونحوه : قال : ويحتمل أن يكون من جَدْر النخيل أي من وراء نخيلهم . يقال : أجدر النخل إذا طلعت رءوسه أول الربيع . والجدر : نبت ، واحده جدرة .
وقرئ{[56026]} : «جَدَرٌ » - بفتحتين - حكاها الزمخشري .
وقرئ : «جُدْر » - بضم الجيم وإسكان الدَّال - جمع الجدار .
قال القرطبي{[56027]} : ويجوز أن تكون الألف في الواحد كألف «كتاب » وفي الجمع كألف «ظِراف » ومثله «ناقة هجان ، ونوق هجان » لأنك تقول في التثنية «هجانان » ، فصار لفظ الواحد والجمع مشتبهين في اللفظ مختلفين في المعنى .
قاله ابن جني{[56028]} .
قوله : { بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ } ، «بَيْنَهُمْ » متعلق ب «شديد » و«جميعاً » مفعول ثانٍ ، أي : مجتمعين .
وقوله : { وَقُلُوبُهُمْ شتّى } . جملة حالية ، أو مستأنفة للإخبار بذلك . والعامة على «شتى » بلا تنوين ، لأنها ألف تأنيث .
ومن كلامهم : «شَتَّى تئوب الحلبة » أي متفرقين{[56029]} .
إلَى اللَّهِ أشْكُو نِيَّةً شَقَّتِ العَصَا *** هِيَ اليَوْمَ شَتَّى ، وهيَ أمْسِ جَمِيعُ{[56030]}
وقرأ مبشر{[56031]} بن عبيد : «شَتًّى » منونة ، كأنه جعلها ألف الإلحاق .
وفي قراءة ابن مسعود : «وقُلُوبُهُمْ أشتُّ »{[56032]} يعني أشد تشتيتاً أي أشد اختلافاً .
فصل في معنى الآية{[56033]}
معنى { بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ } أي : عداوة بعضهم لبعض . قاله ابن عباس .
وقال مجاهد : { بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ } بالكلام والوعيد لنفعلن كذا{[56034]} .
وقال السُّدي : المراد اختلاف قلوبهم حتى لا يتفقوا على أمر واحدٍ{[56035]} .
وقيل : { بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ } إذا لم يلقوا عدوًّا نسبوا أنفسهم إلى الشدة والبأس ، وإذا لقوا العدو انهزموا .
{ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شتى } ، يعني اليهود والمنافقين . قاله مجاهد . وعنه أيضاً : يعني المنافقين .
وقال الثوري : هم المشركون وأهل الكتاب .
وقال قتادة : { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً } أي : مجتمعين على أمْر ورأي . { وَقُلُوبُهُمْ شتّى } : أي : متفرقة فأهل الباطل مختلفة آراؤهم وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق{[56036]} .
وعن مجاهد أيضاً : أراد أن دين المنافقين مخالف لدين اليهود ، وهذا يقوي أنفس المؤمنين عليهم{[56037]} { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } أي : ذلك التشتيت والكفر بأنهم قوم لا يعقلون أمر الله .
وقيل : لا يعقلون ما فيه الحظ لهم . وقيل : لا يعقلون أن تشتيت القلوب مما يوهن قواهم{[56038]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.