الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ} (14)

قوله : { جَمِيعاً } : حالٌ و { إِلاَّ فِي قُرًى } متعلقٌ ب " يُقاتِلونكم " .

وقوله : { جُدُرٍ } قرأ ابنُ كثير وأبو عمرو " جدار " بالإِفرادِ . وفيه أوجهٌ ، أحدُها : أنه أرادَ به السُّوْرَ ، والسُّوْرُ الواحد يَعُمُّ الجميعَ من المقاتِلةِ ويَسْتُرهم . والثاني : أنه واحدٌ في معنى الجمع لدلالة السِّياقِ عليه . والثالث : أنَّ كلَّ فِرْقة منهم وراءَ جدار ، لا أنَّهم كلَّهم وراءَ جدار . والباقون قَرَؤُوا جُدُر بضمتين/ اعتباراً بأنَّ كلَّ فِرْقةٍ وراءَ جدار ، فجُمِعَ لذلك . وقرأ الحسن وأبو رجاء وابن وثاب والأعمش ، ويُرْوى عن ابن كثير وعاصمٍ بضمةٍ وسكونٍ ، وهي تخفيفُ الأُولى . وقرأ ابن كثير أيضاً في وراية هارونَ عنه ، وهي قراءةُ كثيرٍ من المكيين " جَدْرٍ " بفتحة وسكون فقيل : هي لغةٌ في الجِدار . وقال ابن عطية : " معناه أصلُ بنيانٍ كالسُّور ونحوه " قال : " ويُحتمل أَنْ يكونَ مِنْ جَدْر النخيل ، أي : أو مِنْ وراءِ نخيلهم . وقُرِىء " جَدَر " بفتحتين حكاها الزمخشريُّ ، وهي لغةٌ في الجِدار أيضاً .

قوله : { بَيْنَهُمْ } متعلِّقٌ بشديد و " جميعاً " مفعولٌ ثانٍ ، أي : مجتمعين و " قلوبُهم شَتَّى " جملةٌ حاليةٌ أو مستأنفةٌ للإِخبار بذلك . والعامَّةُ على " شتى " بلا تنوينٍ لأنَّها ألفُ تأنيثٍ . ومِنْ كلامهم : " شتى تَؤُوب الحَلَبةُ " ، أي : متفرِّقين . وقال آخر :

إلى اللهِ أَشْكو فِتْنَةً شَقَّت العِصا *** هي اليومَ شَتَّى وهْي أَمْسِ جميعُ

وقرأ مبشر بن عبيد " شتىً " منونة ، كأنه جعلها ألفَ الإِلحاق .