السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ} (14)

{ لا يقاتلونكم } أي : اليهود والمنافقون { جميعاً } أي : قتالاً تقصدونه مجاهرة وهم مجتمعون كلهم في وقت من الأوقات ومكان من الأماكن { إلا في قرى محصنة } أي : ممتنعة بحفظ الدروب ، وهي السكك الواسعة بالأبواب والخنادق ونحوها { أو من وراء جدر } أي : محيط بهم سواء كان بقرية أم بغيرها لشدّة خوفهم ، وقد أخرج هذا ما حصل من بعضهم عن ضرورة كالأسير ، ومن كان ينزل من أهل خيبر من الحصن يبارز ونحو ذلك فإنه لم يكن عن اجتماع أو يكون هذا خاصاً ببني النضير في هذه الكرة . وقرأ ابن كثير وأبو عمر وبكسر الجيم وفتح الدال وألف بعدها وأمال الألف أبو عمرو ، والباقون بضم الجيم والدال { بأسهم } أي : حربهم { بينهم شديد } أي : بعضهم فظ على بعض وعداوة بعضهم بعضاً شديدة . وقيل : بأسهم بينهم من وراء الحيطان والحصون شديد ، فإذا خرجوا إليكم فهم أجبن خلق الله تعالى : { تحسبهم } أي : اليهود والمنافقين يا أعلى الخلق ، أو يا أيها الناظر وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والكسائي بكسر السين ، والباقون بفتحها { جميعاً } لما هم فيه من اجتماع الأشباح { وقلوبهم شتى } أي : متفرقة أشدّ افتراقاً ، وموجب هذا الشتات اختلاف الأهواء التي لا جامع لها من نظام العقل كالبهائم ، وإن اجتمعوا في عداوة أهل الحق كاجتماع البهائم في الهرب من الذئب .

قال القشيري : اجتماع النفوس مع تنافر القلوب واختلافها أصل كل فساد ، وموجب كل تخاذل ، ومقتض لتجاسر العدو واتفاق القلوب ، والاشتراك في الهمة ، والتساوي في القصد موجب كل ظفر ، وكل سعادة . وقرأ شتى الحسن وحمزة والكسائي بالإمالة محصنة ، وورش بالفتح وبين اللفظين وأبو عمرو بين بين ، والباقون بالفتح ، وهي على وزن فعلى { ذلك } أي : الأمر الغريب من الافتراق بعد الاتفاق الذي يحيل الاجتماع { بأنهم قوم } أي : مع شدتهم { لا يعقلون } فلا دين لهم مثلهم في ترك الإيمان .