الآية 14 وقوله تعالى : { لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة } قوله : { جميعا } أي لا يقاتلكم أهل النفاق وأهل الكتاب جميعا معا ، وإنهم ليسوا بفاعلين ما وعدوا لأهل الكتاب من النصر والقتال .
[ واحتمل أن يكون هذا استثناء عن القتال ]{[20954]} واحتمل أن يكون استثناء عن الوعد الذي وعدوا لأهل الكتاب . فإن كان عن القتال فهو يحتمل وجهين :
أحدهما : أنهم لا يقاتلون إلا أن يكونوا في قرى وحصون أو من وراء جدر ، لا يعلم بهم أهل الإسلام ، والله أعلم .
وإن كان من الوجه الثاني فهو يحتمل وجهين أيضا :
أحدهما : أنهم لا يوفون ما وعدوا من النصر في القتال لأهل الكتاب ، ولكنهم يلتجئون إلى قرى محصنة .
ألا ترى ما أخبر الله تعالى فيهم في ناحية المسلمين : { وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسئلون عن أنبائكم } ؟ [ الأحزاب : 20 ] فأخبر أنهم قد أظهروا الموالاة للمسلمين كما أظهروا لأهل الكتاب إلى أن جاء القتال : التجؤوا إلى مكان ، يستمعون من أخبارهم . فعلى ذلك النحو يجوز أن يكون أهل الكتاب .
والوجه الثاني : أنهم لا يقاتلون ، ولكنهم يدخلون في قرى محصنة ، يتربصون لمن يكون الظفر والعاقبة كما أخبر عنهم في آية أخرى ، وهو قوله تعالى : { الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين /561 – ب / نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين }[ النساء : 141 ] فأخبر الله تعالى أنهم يتربصون العاقبة ، فالتجؤوا هم إلى قرى محصنة ؛ يجوز أن يكون بهذا التأويل ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { بأسهم بينهم شديد } يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يقول : { بأسهم } يعني قوتهم{ بينهم شديد } ما لم يروا [ عداء ظاهرا ]{[20955]} .
[ والثاني ]{[20956]} : يقول : { بأسهم } شديد ما دام القتال بينهم ، لأنه ليس فيهم من أكرم [ بالنصر ]{[20957]} بالرعب مسيرة شهرين{[20958]} . فإذا أكرم بالرعب هذا المقدار من المسير فلا يحرم ذلك في أهل قريته .
وإذا كان كذلك ثبت أن التأويل ما وصفنا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى } لأن همة المنافقين سلامة الأنفس وراحة الأبدان ، وهمة أهل الكتاب الذب عن المذهب والسعي في إقامته .
فإذا اختلفت همتهم ومقاصدهم تشتت قلوبهم ؛ وذلك معنى قوله : { مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلا هؤلاء } ( النساء : 143 ) يعني في الهمم والقلوب .
وقوله تعالى : { ذلك بأنهم قوم لا يعقلون } يحتمل ثلاثة أوجه .
أحدها : أنهم لا يعقلون حق الوعد والوعيد .
والثاني : أنهم لا ينتفعون بما يعقلون .
والثالث : أنهم لا يعقلون لمن تكون له العاقبة
وقد وصفنا أن عادتهم التربص لمن يكون الظفر والعاقبة ؛ فإذا شبهت عليهم العاقبة ، ولم يفعلوها ، لم يوالوا واحدا من الفريقين في الظاهر والباطن جميعا ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.