تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ كُلَّمَآ أَرَادُوٓاْ أَن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمۡ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ} (20)

15

{ وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون }

المفردات :

فمأواهم النار : ملجؤهم ومنزلهم .

التفسير :

وأما الفاسقون الخارجون على أوامر الله فمآلهم جهنم يضربهم لهيبها وتقمعهم الملائكة بالعذاب .

قال الفضيل بن عياض :

والله إن الأيدي لموثقة ، وإن الأرجل لمقيدة وإن اللهب ليرفعهم والملائكة تقمعهم ويتمنى الكفار الخروج من النار فتردهم الملائكة إلى جهنم في حالة من الذل واليأس وتقول لهم الملائكة على سبيل الزجر والتأنيب وزيادة الحسرة في قلوبهم :

{ ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون . . . } أي : تذوقوا وتحملوا عذاب النار الذي كنتم به في الدنيا فإن الله أعده للمشركين به .

كما قال تعالى : كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها . . . . ( الحج : 22 ) .

وكما قال تعالى : ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون . ( الزخرف : 77 ) .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ كُلَّمَآ أَرَادُوٓاْ أَن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمۡ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ} (20)

{ فذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون } الذي نعت بالعذاب ، ولذلك أعاد عليه الضمير المذكور في قوله به .

فإن قيل : لم وصف هنا العذاب وأعاد عليه الضمير ، ووصف في سبأ النار وأعاد عليها الضمير ، وقال : { عذاب النار التي كنتم بها تكذبون } ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه : الأول : أنه خص العذاب في السجدة بالوصف اعتناء به لما تكرر ذكره في قوله : { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر } .

الثاني : أنه قدم في السجدة ذكر النار ، فكان الأصل أن يذكرها بعد ذلك بلفظ الضمير ، لكنه جعل الظاهر مكان المضمر فكما لا يوصف المضمر لم يوصف ما قام مقامه وهو النار ، ووصف العذاب ولم يصف النار .

الثالث : وهو الأقوى أنه امتنع في السجدة وصف النار فوصف العذاب ، وإنما امتنع وصفها لتقدم ذكرها ، فإنك إذا ذكرت شيئا ثم كررت ذكره لم يجز وصفه ، كقولك : رأيت رجلا فأكرمت الرجل ، فلا يجوز وصفه لئلا يفهم أنه غيره .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ كُلَّمَآ أَرَادُوٓاْ أَن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمۡ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ} (20)

{ وأما الذين فسقوا } أي خرجوا عن دائرة الإيمان الذي هو معدن التواضع وأهل للمصاحبة والملازمة { فمأواهم النار } أي التي{[54809]} لا صلاحية فيها للإيواء{[54810]} بوجه من الوجوه أصلاً .

ولما كان السامع جديراً بالعلم بأنهم مجتهدون في الخلاص منها ، قال مستأنفاً لشرح{[54811]} حالهم : { كلما أرادوا } أي{[54812]} وهم مجتهدون فكيف إذا أراد بعضهم { أن يخرجوا منها } وهذا يدل على أنه يزاد في عذابهم بأن يخيل إليهم ما يظنون به القدرة على الخروج منها كما كانوا يخرجون بفسوقهم من محيط الأدلة و{[54813]} من دائرة الطاعات إلى{[54814]} بيداء المعاصي والزلات ، فيعالجون الخروج فإذا ظنوا أنه تيسر لهم وهم بعد في غمراتها { أعيدوا } بأيسر أمر وأسهله من أيّ من أمر بذلك { فيها{[54815]} } إلى المكان الذي كانوا فيه أولاً ، ولا يزال هذا دأبهم أبداً { وقيل } أي من أيّ قائل وكل بهم { لهم } أي عند الإعادة إهانة لهم : { ذوقوا عذاب النار } .

ولما وصف عذابهم في النار كان أحق بالوصف عند بيان سبب الإهانة بالأمر بالذوق مع أنه أحق من حيث كونه مضافاً محدثاً عنه فقال : { الذي كنتم } أي كوناً هو لكم كالجبلات ، وأشار إلى أن تكذيبهم به يتلاشى عنده كل تكذيب ، فكأنه مختص فقال : { به تكذبون * } فإن الإعادة بعد معالجة الخروج أمكن في التصديق باعتبار التجدد في كل آن .


[54809]:في ظ: الذي.
[54810]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: للأدواء.
[54811]:في ظ وم ومد: شرح.
[54812]:زيد من ظ وم ومد.
[54813]:زيد من ظ ومد.
[54814]:في الأصل بياض، ملأناه من ظ وم ومد.
[54815]:وقع في الأصل بعد "أعيدوا" والترتيب من ظ وم ومد.