تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ كُلَّمَآ أَرَادُوٓاْ أَن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمۡ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ} (20)

الآيات 18 و19 و20 وقوله تعالى : { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } [ إلى قوله : { ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون } ]( {[16414]} ) إن أهل التأويل يقولون : نزلت الآية في شأن علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، كان بينه وبين علي رضي الله عنه كلام وتنازع حتى قال له علي : إنك فاسق وأنا مؤمن ، فنزلت الآية في جميع المؤمنين والفاسقين ؛ يخبر أن ليس بينهم استواء .

ثم جائز أن يكون ذكر هذا ، ونزل لقول قائل من أولئك الكفرة الفسقة للمؤمنين : إن منزلتنا ومنزلتكم وقدرنا وقدركم في الآخرة عند الله سواء . فنزلت الآية لذلك أنهما ليسا بسواء ، فبين منزلة المؤمن عند الله وقدره وما ذكر من الثواب له ومنزلة الفاسق وما( {[16415]} ) ذكر من الخلود في النار أبدا كقوله : { الم } { أحسب الناس } [ العنكبوت : 1 و2 ] . وكقوله : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات } الآية [ الجاثية : 21 ] . أو نزل( {[16416]} ) ذلك على الابتداء : إنكم تعرفون في عقولكم أن ليس المؤمن المصدق في الشاهد في المنزلة والقدر عنده كالخارج عن أمره والمكذب له . فكيف تطمعون الاستواء عند الله ، وأنتم الفسقة الخارجون عن أمر الله ، وأولئك هم الصادقون له ؟ والله أعلم بذلك .

ثم الخوارج والمعتزلة يقولون : لو كان الفاسق مؤمنا على ما تقولون لم يكن لما ذكر معنى . فدل أن الفاسق لا يكون مؤمنا حين( {[16417]} ) ذكر أنهما لا يستويان ، وأن المؤمن ، مأواه الجنة ، والخلود له فيها ، والفاسق مقامه في النار ، خالد( {[16418]} ) فيها على ما ذكر . فلو كان على ما تقولون لكانا يستويان ، أو كلام نحو هذا .

فيقال لهم . إنا وأنتم نتفق أن هذا الفاسق المذكور في الآية ليس بمؤمن ، وأنه لا يستوي المؤمن [ والفاسق ]( {[16419]} ) لأنه ذكر الفسق مقابل الإيمان . دليله آخر الآية حيث قال : { ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون } [ السجدة : 20 ] .

ذكر التكذيب ، والتكذيب هو مقابل الإيمان والتصديق . وكل فسق ، كان مذكورا مقابل الإيمان ، هو كفر وتكذيب ، فهو لا يكون مؤمنا . ولكن هاتوا فسقا ذكر لا مقابل الإيمان ، ولكن مقابل غيره من العصيان والمساوئ ، ويكون له هذا الوعيد الذي ذكر في هذا .

ألا ترى أن السؤال المذكور مقابل الإيمان كفر كقوله : { وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء } ؟ [ غافر : 58 ] .

فعلى ذلك الفسق المذكور مقابل الإيمان كفر ، لا يقع فيه استواء بحال . وأمثال الفسق المذكور ، لا يقابل الإيمان . فجائز أن يقع فيهما استواء ، وهو أن يغفر له ذنبه ، ويكفر عنه سيئته ، ويدخل الجنة حين( {[16420]} ) قال : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [ النساء : 48 ، 116 ] وقال في آية أخرى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما } [ النساء : 31 ] وقال في آية أخرى : { أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم } الآية [ الأحقاف : 16 ] هو في مشيئة الله ، وإن شاء عذب ، وإن شاء تجاوز عنه .

وأصحاب الحديث يقولون : إن جميع الطاعات إيمان بهذه الآية لأنه قال : { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا } .

ثم فسر ذلك المؤمن ، فقال : { أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى } وعد لهم الجنات بالإيمان وعمل الصالحات . فيقال : إن الوعد المطلق هو لمن آمن ، وعمل الصالحات .

فأما من آمن ، ولم يعمل من الصالحات شيئا فلا( {[16421]} ) نقول : إن له ذلك الوعد /422-أ/ المطلق ، ولكن له الوعد الذي ذكرنا .

وفي الآية دلالة : أن قد يعمل المؤمن غير الصالحات ، وهو مؤمن ، لأنه لو لم يكن منه غير عمل الصالحات لم يكن لشرط العمل الصالح له معنى ، دل أن يكون من المؤمن غير العمل الصالح . وذلك على المعتزلة والخوارج .


[16414]:ساقطة من الأصل وم.
[16415]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[16416]:في الأصل وم: يذكر.
[16417]:في الأصل وم: حيث.
[16418]:في الأصل وم: خالدين.
[16419]:ساقطة من الأصل وم.
[16420]:في الأصل وم: حيث.
[16421]:في الأصل وم: لأنا.