تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ} (3)

المفردات :

وضعنا عنك : خفّفنا عنك ، وسهّلنا عليك .

وزرك : حملك الثقيل ، وهو عبء الرسالة والنبوة .

الذي أنقض ظهرك : أثقله حتى سمع له نقيض ( صوت ) والكلام على التمثيل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل هما معنويا ، فشبه ذلك بمن يحمل حملا ثقيلا فوق ظهره ، ثم خفف الله عليه أعباء النبوة والرسالة التي تثقل الظهر ، من القيام بأمرها ، وأداء واجباتها ، وحطّ الله عنه ثقلها بأن صارت يسيرة له .

2 ، 3- ووضعنا عنك وزرك* الذي أنقض ظهرك .

قيل : إن معنى الآية : غفرنا لك ذنبك الذي أثقل ظهرك ، أي آلمك وجعلك تنوء بحمله ، وتؤنّب نفسك على ارتكابه ، وليس المراد بالذنب الكبائر ، فقد عصم الله الأنبياء من ارتكاب شيء منهيّ عنه ، ولكن المراد منه ارتكاب خلاف الأولى ، مثل أن عبس في وجه عبد الله بن أمّ مكتوم ، حين جاء يلحّ في السؤال وطلب العلم ، وكان صلى الله عليه وسلم مشتغلا بعرض الإسلام على مجموعة أو أفراد من كبار المشركين ، طامعا في إسلامهم .

ومثل أنه أذن لبعض المنافقين بالتخلّف عن الجهاد في غزوة تبوك حين استأذنوه في التخلف .

ومثل أنه قبل الفداء من كفار مكة في أسرى بدر ، وقد كان عن اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم ، ولكن الوحي نزل يبين أن ذلك خطأ أو مرجوح لا راجح ، وأن الأولى به صلى الله عليه وسلم أن يختار الوجهة الأخرى التي شرحها القرآن .

والنبي صلى الله عليه وسلم من حقه أن يجتهد ، لأن الله تعالى أعطانا جميعا العقل ، وكلّفنا بالاجتهاد ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقرّ على خطأ ، أو لا يقر على خلاف الأولى ، وقد ذكر القرآن أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .

قال تعالى : إنّا فتحنا لك فتحا مبينا* ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما* وينصرك الله نصرا عزيزا . ( الفتح : 1-3 ) .

قال في التسهيل لعلوم التنزيل : إنما وصفت ذنوب الأنبياء بالثّقل ، وهي صغائر مغفورة لهم ، لهمّهم بها ، وتحسّرهم عليها ، فهي ثقيلة عندهم لشدة خوفهم من الله ، وهذا كما ورد في الأثر : ( إن المؤمن يرى ذنوبه كالجبل يقع عليه ، والمنافق يرى ذنوبه كالذبابة تطير فوق أنفه )iii .

وذهب كثير من المفسرينiv إلى أن معنى قوله تعالى : ووضعنا عنك وزرك* الذي أنقض ظهرك . أي : يسّرنا عليك أعباء النبوة والرسالة ، وبيّنّا لك طريق تبليغ الدعوة ، ويسّرنا عليك تحمل الأعباء في دعوة قوم يصرّون على عبادة الأوثان والأصنام ، ويتهمونك بأنك شاعر أو كاهن أو مجنون ، ذلك أن المقام مقام تعديد النعم التي أنعم الله تعالى بها على رسوله صلى الله عليه وسلم .

وكان صلى الله عليه وسلم قد مكث في مكة فترة مؤلمة في بداية الدعوة ، تعرض فيها هو وأصحابه للأذى الحسي والمعنوي ، ووقفت قريش حجر عثرة في طريق الدعوة ، بيد أن الله أمدّ رسوله بالعزيمة والهمة والقوة والصبر ، فكان آية في هذا المجال .

وحين عرض عليه أهل مكة عروضا منها المال أو الجاه أو الرئاسة أو العلاج من أثر الجن ، ووسّطوا عمه أبا طالب ليعرض عليه ذلك ، قال صلى الله عليه وسلم : ( والله يا عمّ ، لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري ، على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتى يظهره الله أو تنفرد مني هذه السالفة ) .

قال الأستاذ أحمد المراغي في تفسيره :

ووضعنا عنك وزرك* الذي أنقض ظهرك .

أي : حططنا عنك ما أثقل ظهرك من أعباء الرسالة حتى تبلّغها ، فجعلنا التبليغ عليك سهلا ، ونفسك به مطمئنة راضية ، ولو قوبلت بالإساءة ممن أرسلت إليهم . v .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ} (3)

{ الذي أنقض ظهرك } أي أثقله وأوهنه حتى سمع له نقيص ، وهو الصوت الخفي الذي يسمع من الرحل فوق البعير . يقال : أنقض الحمل ظهر البعير ، إذا سمع له صرير من شدة الحمل . وسمعت نقيض الرحل : أي صريره ؛ والفعل كنصر . أو عصمناك من الذنوب ، وطهرناك من الأدناس التي تنقض ظهرك لو وقعت . وعبر عن ذلك بالوضع مبالغة في انتفاء الذنوب عنه ؛ كما يقول القائل لمن لم يزره : رفعت عنك مشقة الزيارة ؛ مبالغة في انتفاء الزيارة منه له .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ} (3)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : كان أثقل ظهرك فوضعناه عنك ، لقوله :{ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما } [ الفتح : 1 ، 2 ] يا محمد . ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"الّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ" قال : أثقله وجهده ، كما يُنْقِضُ البعيرَ حِمْله الثقيل ، حتى يصير نِقْضا بعد أن كان سمينا، "وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ" قال : ذنبك الذي أنقض ظهرك : أثقل ظهرَك ، ووضعناه عنك ، وخفّفنا عنك ما أثقل ظهرَك . ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ الذي أنقض ظهرك } أي جعله وهو عماد بدنك تصوت مفاصله من الثقل كما يصوت الرحل الجديد إذا لز بالحمل الثقيل ، وذلك هو ما دهمه عندما أمر بإنذار قومه ومفاجأتهم بما يكرهون عن عيب دينهم وتضليل آبائهم وتسفيه حلومهم في التدين بدين لا يرضاه أدنى العقلاء إذا تأمل شيئاً من تأمل مع التجرد من حظ النفس مع ما عندهم من الأنفة والحمية وإلقاء الأنفس في المهالك لأدنى غضب......

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

اللّه سبحانه وضع عنك أيّها النّبي ذلك الحمل الثقيل القاصم الظهر . وأي حمل وضعه اللّه عن نبيّه ؟ القرائن في الآيات تدل على أنّه مشاكل الرسالة والنّبوّة والدعوة إلى التوحيد وتطهير المجتمع من ألوان الفساد ، وليس نبيّ الإسلام وحده بل كلّ الأنبياء في بداية الدعوة واجهوا مثل هذه المشاكل الكبرى ، وتغلبوا عليها بالإمداد الإلهي وحده ، مع فارق في الظروف ، فبيئة الدعوة الإسلامية كانت ذات عقبات أكبر ومشاكل . .

   
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ} (3)

" الذي أنقض ظهرك " أي أثقله وأوهنه . قال : وإنما وصفت ذنوب الأنبياء بهذا الثقل ، مع كونها مغفورة ، لشدة اهتمامهم بها ، وندمهم منها ، وتحسرهم عليها . وقال السدي : " ووضعنا عنك وزرك " أي وحططنا عنك ثقلك . وهي في قراءة عبد الله بن مسعود " وحططنا عنك وقرك{[16170]} " . وقيل : أي حططنا عنك ثقل آثام الجاهلية . قال الحسين بن المفضل : يعني الخطأ والسهو . وقيل : ذنوب أمتك ، أضافها إليه لاشتغال قلبه بها . وقال عبد العزيز بن يحيى وأبو عبيدة : خففنا عنك أعباء النبوة والقيام بها ، حتى لا تثقل عليك . وقيل : كان في الابتداء يثقل عليه الوحي ، حتى كاد يرمي نفسه من شاهق الجبل ، إلى أن جاءه جبريل وأراه نفسه ، وأزيل عنه ما كان يخاف من تغير العقل . وقيل : عصمناك عن احتمال الوزر ، وحفظناك قبل النبوة في الأربعين من الأدناس ، حتى نزل عليك الوحي وأنت مطهر من الأدناس .


[16170]:في شواذ ابن خالويه: "وحططنا عنك وزرك" عن أنس بن مالك. "وحللنا وحططنا" جميعا عنه، وعن ابن مسعود.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ} (3)

ولذلك وصفه بقوله : { الذي أنقض ظهرك * } أي جعله وهو عماد بدنك تصوت مفاصله من الثقل كما يصوت الرحل الجديد إذا لز بالحمل الثقيل ، وذلك هو ما دهمه عندما أمر بإنذار قومه ومفاجأتهم بما يكرهون عن عيب دينهم وتضليل آبائهم وتسفيه حلومهم في التدين بدين لا يرضاه أدنى العقلاء إذا تأمل شيئاً من تأمل مع التجرد من حظ النفس مع ما عندهم من الأنفة والحمية وإلقاء الأنفس في المهالك لأدنى غضب ، فقال :

" يا رب إذن يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة " فخفف سبحانه وتعالى عنه ذلك بما أظهر له من الكرامات وأيده به من المعجزات ، وضمن له من الحماية إلى أمور لا يحيط بها علماً إلا الذي أيده بها

{ والله يعصمك من الناس }[ المائدة : 67 ] حتى خف ذلك عليه ، فصار أشفق أهله عليه يمنعه من بعض الإبلاغ ويمسك بثوبه لئلا يخرج إلى النار فيقول لهم ذلك فيحصل له ما يكره فيجذب نفسه منه ويخرج إليهم فيخبرهم كما وقع في أمر الإسراء وغيره ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هو أن جبريل عليه الصلاة والسلام شق صدره فأخرج منه قلبه فشرحه وأخرج منه علقة سوداء فأنقاه وغسله ثم ملأه علماً وإيماناً وحكمة ، يعني فصار يحتمل ما لا يحتمله غيره ، وخف عليه ما يثقل على غيره ، ولا شك أن ذلك وزر لغوي ، وهو واضح ، وشرعي بالمال على تقدير ترك الامتثال اللازم للاستثقال ، وقد أعاذه الله من ذلك .

وقال الأستاذ أبو جعفر ابن الزبير : معنى هذه السورة من معنى السورة قبلها ، وحاصل السورتين تعداد نعمه سبحانه وتعالى عليه ، فإن قلت : فلم فصلت سورة ألم نشرح ولم ينسق ذكر هذه النعم في سورة واحدة ، قلت : من المعهود في البشر فيمن عدد على ولده أو عبده نعماً أن يذكر له أولاً ما شاهد الحصول عليه منها بسببه مما يمكن أن يتعلق في بعضها بأن ذلك وقع جزاء لا ابتداء ، فإذا استوفى له ما قصده من هذا ، أتبعه بذكر نعم ابتدائية قد كان ابتداؤه بها قبل وجوده كقول الأب مثلاً لابنه : ألم أختر لأجلك الأم والنفقة حيث استولدتك وأعددت من مصالحك كذا وكذا ، ونظير ما أشرنا إليه بقوله سبحانه لزكريا عليه الصلاة والسلام

{ ولم تك شيئاً }[ مريم : 9 ] وقد قدم له { إنا نبشرك بيحيى }[ مريم : 7 ] وتوهم استبداد الكسبية في وجود الولد غير خافية في حق من قصر نظره ولم يوفق فابتدىء بذكرها ثم أعقب بما لا يمكن أن يتوهم فيه ذلك ، وهو قوله :

( وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً }[ مريم : 9 ] وله نظائر من الكتب وعليه جاء ما ورد في هاتين السورتين - والله أعلم - انتهى .