ذلك مبلغهم من العلم : طلب الدنيا وأمرها نهاية علمهم ، فلا يتجاوزه علمهم لأنهم آثروا الدنيا على الآخرة .
30- { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى } .
أي : طلب الدنيا والسعي لها هو غاية ما وصلوا إليه من الإدراك والفهم ، والحرص على الدنيا الفانية والنعيم الزائل .
والمراد : النهي عن دعوة المُعْرِض عن كلام الله ، وعدم الاعتناء بشأنه ، فإن من أعرض عما ذكر وانهمك في الدنيا ، بحيث صارت منتهى همته ، وقصارى سعيه ، لا تزيده الدعوة إلا عنادا أو إصرارا على الباطل .
روى الشيخان ، والإمام أحمد ، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له " .
وفي الدعاء المأثور : " اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا " .
{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى } .
إن الله تعالى عالم بالضالين ، الذين آثروا الدنيا على الآخرة ، وأهملوا وحي السماء ، وأعرضوا عن القرآن الحكيم ورسالة النبي الأمين ، وهو سبحانه عالم بالمهتدين الذين اختاروا الإسلام دينا ، ومحمدا صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ، والقرآن هاديا وإماما ، وسوف يجازي كل فريق منهما بالجزاء الذي يستحقه ، فالمراد بالعلم هنا المعرفة والإحاطة ، والجزاء العادل ممن أحاط بكل شيء علما .
ثم صغر رأيهم فقال : { ذلك مبلغهم من العلم } يعني : ذلك نهاية علمهم وقدر عقولهم أن آثروا الدنيا على الآخرة . وقيل : لم يبلغوا من العلم إلا ظنهم أن الملائكة بنات الله ، وأنها تشفع لهم ، فاعتمدوا على ذلك وأعرضوا عن القرآن . { إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى } يعني : هو عالم بالفريقين فيجازيهم .
" ذلك مبلغهم من العلم " أي إنما يبصرون أمر دنياهم ويجهلون أمر دينهم . قال الفراء : صغرهم وازدرى بهم ، أي ذلك قدر عقولهم ونهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة . وقيل : أن جعلوا الملائكة والأصنام بنات الله . " إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله " أي حاد عن دينه " وهو أعلم بمن اهتدى " فيجازي كلا بأعمالهم .
ثم ترجم جملتي الإعراض والإرادة بقوله : { ذلك } أي الأمر المتناهي في الجهل والقباحة { مبلغهم } أي نهاية بلوغهم وموضع بلوغهم والحاصل لهم ، وتهكم بهم بقوله : { من العلم } أنه لا علم لهم لأن عيون بصائرهم عمي ، ومرائبها كثيفة مظلمة لا تكشف عن نظر الآخرة التي هي أصل العلوم كلها ، ثم علل هذه الجملة بقوله مؤكداً قطعاً لطمع من يظن أن وعظه وكلامه يرد أحداً من غيه وإن أبلغ في أمره ودعائه في سره وجهره ، وإعلاماً بأن ذلك إنما هو من الله ، فمن وعظ له سبحانه راجياً منه في إيمانه أوشك أن ينفع به كما فعل في وعظ مصعب بن عمير رضي الله عنه فصغى له أسيد بن حضير وسعد بن معاذ رضي الله عنهما في ساعة واحدة كما هو مشهور { إن ربك } أي المحسن إليك بالإرسال وغيره { هو } أي وحده { أعلم بمن ضل عن سبيله } ضلالاً مستمراً ، فلا تعلق أملك بأن يصل علمه إلى ما وراء الدنيا ، وعبر بالرب إشارة إلى أن ضلال هذا من الإحسان إليه صلى الله عليه وسلم لأنه لو دخل في دنيه لأفسد أكثر مما يصلح كما قال تعالى :{ ولا أوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة{[61729]} وفيكم سماعون لهم } وذلك لأنه جبل جبلة غير قابلة للخير { وهو } أي وحده { أعلم بما اهتدى * } أي ظاهراً وباطناً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.