{ ألهاكم التكاثر 1 حتى زرتم المقابر 2 كلاّ سوف تعلمون 3 ثم كلاّ سوف تعلمون 4 كلاّ لو تعلمون علم اليقين 5 لترونّ الجحيم 6 ثم لترونّها عين اليقين 7 ثم لتسألن يومئذ عن النعيم 8 }
التكاثر : التباهي والتفاخر بالكثرة في الأموال والأولاد والأهل والعشيرة .
زرتم المقابر : صرتم إليها ودفنتم فيها .
1 ، 2- ألهاكم التكاثر* حتى زرتم .
شغلكم طلب الكثير من المال والجاه والسلطان ، رغبة في كثرة ما تملكون ، لتكونوا أكثر مالا أو متاعا من أندادكم ونظرائكم ، ولم تلتفتوا إلى عين الحقيقة ، وهي أن المال الحقيقي هو الذي ينفقه الإنسان في سبيل الله ، وأن الفضل الحقيقي هو عمل الخير والمعروف ابتغاء وجه الله ، لأن ذلك هو الذي ينفعك في قبرك ، ويعلي درجتك في الآخرة .
حتى ذهبتم إلى المقابر ودفنتم فيها ، ولم تجدوا أثرا لتكاثر الدنيا ، والتشبّع بأموالها .
وفي قوله : حتى زرتم المقابر . إشارة لطيفة إلى أن بيت الإقامة الدائمة هو الجنة أو النار ، أما الزائر فإنه ينتقل عن بيت الزيارة ، فالقبر مدفن مؤقّت ، والدار الآخرة هي الحياة الدائمة .
وقيل : إن الآية تحتمل معنى آخر ، هو : شغلكم التفاخر والتكاثر بالأحياء حتى زرتم المقابر لتفتخروا بمن مات منكم من عظماء الدنيا على القبائل الأخرى .
أو المعنى : بنيتم مقابر مشيّدة تفاخرا بها ، كما قال الشاعر :
فاستمرت غفلتكم ولهوتكم [ وتشاغلكم ] { حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } فانكشف لكم حينئذ الغطاء ، ولكن بعد ما تعذر عليكم استئنافه .
ودل قوله : { حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } أن البرزخ دار مقصود منها النفوذ إلى الدار الباقية{[1474]} ، أن الله سماهم زائرين ، ولم يسمهم مقيمين .
{ حتى زرتم المقابر } حتى متم ودفنتم في المقابر . قال قتادة : نزلت في اليهود ، قالوا : نحن أكثر من بني فلان ، وبنو فلان أكثر من بني فلان ، شغلهم ذلك حتى ماتوا ضلالاً . وقال مقاتل والكلبي : نزلت في حيين من قريش ، بني عبد مناف بن قصي ، وبني سهم بن عمرو ، كان بينهم تفاخر ، فتعادوا السادة والأشراف أيهم أكثر عدداً ؟ فقال بنو عبد مناف : نحن أكثر سيداً ، وأعز عزيزاً ، وأعظم نفراً ، وأكثر عدداً ، وقال بنو سهم مثل ذلك ، فكثرهم بنو عبد مناف ، ثم قالوا : نعد موتانا ، حتى زاروا القبور فعدوهم ، فقالوا : هذا قبر فلان ، وهذا قبر فلان ، فكثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات ؛ لأنهم كانوا في الجاهلية أكثر عدداً ، فأنزل الله هذه الآية .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري ، أنبأنا حاجب بن أحمد الطوسي ، حدثنا عبد الرحيم بن منيب ، حدثنا النضر بن شميل ، عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، عن أبيه قال : " انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية : { ألهاكم التكاثر } ، قال : يقول ابن آدم : مالي مالي ، وهل لك من مالك ، إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميد ، حدثنا سفيان ، حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه سمع أنس بن مالك يقول : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يتبع الميت ثلاثة ، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد : يتبعه أهله وماله وعمله ، فيرجع أهله وماله ، ويبقى عمله " .
ولما كانوا ينكرون البعث ، ويعتقدون دوام الإقامة في القبور ، عبر بالزيارة إشارة إلى أن البعث لا بد منه ، ولا مرية فيه ، وأن اللبث في البرزخ وإن طال فإنما هو كلبث الزائر عند مزوره في جنب الإقامة بعد البعث في دار النعيم أو غار الجحيم ، وأن الإقامة فيه محبوبة للعلم بما بعده من الأهوال والشدائد والأوجال ، فقال : { حتى } أي استمرت مباهاتكم ومفاخرتكم إلى أن { زرتم المقابر * } أي بالموت والدفن ، فكنتم فيها عرضة للبعث ، لا تتمكنون من عمل ما ينجيكم ؛ لأن دار العمل فاتت ، كما أن الزائر ليس بصدد العلم عند المزور ، لا يمكثون بها إلا ريثما يتكمل المجموعون بالموت ، كما أن الزائر معرض للرجوع إلى داره ومحل قراره ، فلو لم يكن لكم وازع عن الإقبال على الدنيا إلا الموت لكان كافياً ، فكيف والأمر أعظم من ذلك ؟ فإن الموت مقدمة من مقدمات العرض . قال أبو حيان : سمع بعض الأعراب الآية فقال : بعث القوم للقيامة ورب الكعبة ، فإن الزائر منصرف لا مقيم . وروى ابن أبي الدنيا عن عمر بن عبد العزيز أنه قرأها ثم قال : ما أرى المقابر إلا زيارة ، ولا بد لمن زار أن يرجع إلى بيته ، إما إلى الجنة أو إلى النار .
وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما تقدم ذكر القارعة وعظيم أهوالها ، أعقب بذكر ما شغل وصد عن الاستعداد لها ، وألهى عن ذكرها ، وهو التكاثر بالعدد والقرابات والأهلين فقال : { ألهاكم التكاثر } ، وهو في معرض التهديد والتقريع ، وقد أعقب بما يعضد ذلك ، وهو قوله { كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون } ثم قال : { كلا لو تعلمون علم اليقين } ، وحذف جواب " لو " ، والتقدير : لو تعلمون علم اليقين لما شغلكم التكاثر ، قال صلى الله عليه وسلم : " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً " الحديث ، وقوله تعالى " لترون الجحيم " ، جواب لقسم مقدر ، أي والله لترون الجحيم ، وتأكد بها التهديد ، وكذا ما بعد إلى آخر السورة - انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.