تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (3)

المفردات :

المفردات :

فصلت آياته : بُيّنت ومُيّزت أتمّ بيان ، وأوضح تفصيل للأحكام والقصص والمواعظ .

التفسير :

3- { كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون } .

كتاب وُضّحت آياته ، وبُينت ومُيّزت سوره ومقاصده ، ففيه القصص والأحكام ، والأخبار والتشريع ، وأخبار القيامة ، وصفات الله وكمالاته وقدرته ، وفيه وصف الكون وما اشتمل عليه ، وفيه بدء الخليقة ، وأخبار الرسل مع أقوامهم ، وفيه المواعظ وألوان الهداية ، كل ذلك قد وُضّح توضيحا ، وبُيّن تبيينا ، وعرض في أسلوب مؤثر يؤدي إلى خشوع القلوب وتأثر الأفئدة ، وقد نزل القرآن بلسان عربي مبين ، يقدّم ألوان المعرفة والعلم لمن أراد أن يتعلم .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (3)

{ كتاب فصلت آياته } ميزت آياته : لفظا بفواصل ومقاطع ، ومعنى بكون بعضها في بيان صفاته وأفعاله تعالى ، وبعضها في عجائب خلقه في العوالم كلها ، وبعضها في الأحكام ، وبعضها في المواعظ والأخبار ، وبعضها في التبشير والإنذار ، وبعضها في رياضة النفوس وتهذيبها ، وغير ذلك من الفنون والعلوم التي لا تحصى .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (3)

ثم أثنى على الكتاب بتمام البيان فقال : { فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } أي : فصل كل شيء من أنواعه على حدته ، وهذا يستلزم البيان التام ، والتفريق بين كل شيء ، وتمييز الحقائق . { قُرْآنًا عَرَبِيًّا } أي : باللغة الفصحى أكمل اللغات ، فصلت آياته وجعل عربيًا . { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي : لأجل أن يتبين لهم معناه ، كما تبين لفظه ، ويتضح لهم الهدى من الضلال ، والْغَيِّ من الرشاد .

وأما الجاهلون ، الذين لا يزيدهم الهدى إلا ضلالاً ، ولا البيان إلا عَمًى فهؤلاء لم يُسَقِ الكلام لأجلهم ، { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (3)

قوله تعالى : " حم ، تنزيل من الرحمن الرحيم " قال الزجاج : " تنزيل " رفع بالابتداء وخبره " كتاب فصلت آياته " وهذا قول البصريين . وقال الفراء : يجوز أن يكون رفعه على إضمار هذا . ويجوز أن يقال : " كتاب " بدل من قوله : " تنزيل " . وقيل : نعت لقوله : " تنزيل " . وقيل : " حم " أي هذه " حم " كما تقول باب كذا ، أي هو باب كذا ف " حم " خبر ابتداء مضمر أي هو " حم " ، وقوله : " تنزيل " مبتدأ آخر ، وقوله : " كتاب " خبره . " فصلت آياته " أي بينت وفسرت . قال قتادة : ببيان حلاله من حرامه ، وطاعته من معصيته . الحسن : بالوعد والوعيد . سفيان : بالثواب والعقاب . وقرئ " فصلت " أي فرقت بين الحق والباطل ، أو فصل بعضها من بعض باختلاف معانيها ، من قولك فصل أي تباعد من البلد . " قرآنا عربيا " في نصبه وجوه ، قال الأخفش : هو نصب على المدح . وقيل : على إضمار فعل ، أي اذكر " قرآنا عربيا " . وقيل : على إعادة الفعل ، أي فصلنا " قرآنا عربيا " . وقيل : على الحال أي " فصلت آياته " في حال كونه " قرآنا عربيا " . وقيل : لما شغل " فصلت " بالآيات حتى صارت بمنزلة الفاعل انتصب " قرآنا " لوقوع البيان عليه . وقيل : على القطع . " لقوم يعلمون " قال الضحاك : أي إن القرآن منزل من عند الله . وقال مجاهد : أي يعلمون أنه إله واحد في التوراة والإنجيل . وقيل : يعلمون العربية فيعجزون عن مثله ولو كان غير عربي لما علموه .

قلت : هذا أصح ، والسورة نزلت تقريعا وتوبيخا لقريش في إعجاز القرآن .

" بشيرا ونذيرا " حالان من الآيات والعامل فيه " فصلت " . وقيل : هما نعتان للقرآن " بشيرا " لأولياء الله " نذيرا " لأعدائه . وقرئ " بشير ونذير " صفة للكتاب . أو خبر مبتدأ محذوف " فأعرض أكثرهم " يعني أهل مكة " فهم لا يسمعون " سماعا ينتفعون به . وروي أن الريان بن حرملة قال : قال الملأ من قريش وأبو جهل قد التبس علينا أمر محمد ، فلو التمستم رجلا عالما بالشعر والكهانة والسحر فكلمه ثم آتانا ببيان من أمره ، فقال عتبة بن ربيعة : والله لقد سمعت الكهانة والشعر والسحر ، وعلمت من ذلك علما لا يخفى علي إن كان كذلك . فقالوا : إيته فحدثه . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : يا محمد أنت خير أم قصي بن كلاب ؟ أنت خير أم هاشم ؟ أنت خير أم عبد المطلب ؟ أنت خير أم عبد الله ؟ فبم تشتم آلهتنا ، وتضلل آباءنا ، وتسفه أحلامنا ، وتذم ديننا ؟ فإن كنت إنما تريد الرياسة عقدنا إليك ألويتنا فكنت رئيسنا ما بقيت ، وإن كنت تريد الباءة زوجناك عشر نساء من أي بنات قريش شئت ، وإن كنت تريد المال جمعنا لك ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا من الجن قد غلب عليك بذلنا لك أموالنا في طلب ما تتداوى به أو نغلب فيك . والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت ، فلما فرغ قال : ( قد فرغت يا أبا الوليد ) ؟ قال : نعم . [ قال فاسمع مني ]{[13410]} قال : ( يا ابن أخي اسمع ) قال : " بسم الله الرحمن الرحيم . حم . تنزيل من الرحمن الرحيم . كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون " إلى قوله : " فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " [ فصلت : 13 ] فوثب عتبة ووضع يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم ، وناشده الله والرحم ليسكتن ، ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش فجاءه أبو جهل فقال : أصبوت إلى محمد ؟ أم أعجبك طعامه ؟ فغضب عتبة وأقسم ألا يكلم محمدا أبدا ، ثم قال : والله لقد تعلمون أني من أكثر قريش مالا ، ولكني لما قصصت عليه القصة أجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر ، ثم تلا عليهم ما سمع منه إلى قوله : " مثل صاعقة عاد وثمود " [ فصلت : 13 ] وأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف ، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب ، فوالله لقد خفت أن ينزل بكم العذاب ، يعني الصاعقة . وقد روى هذا الخبر أبو بكر الأنباري في كتاب الرد له عن محمد بن كعب القرظي ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ " حم . فصلت " حتى انتهى إلى السجدة فسجد وعتبة مصغ يستمع ، قد اعتمد على يديه من وراء ظهره . فلما قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم القراءة قال له : ( يا أبا الوليد قد سمعت الذي قرأت عليك فأنت وذاك ) فانصرف عتبة إلى قريش في ناديها فقالوا : والله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي مضى به من عندكم . ثم قالوا : ما وراءك أبا الوليد ؟ قال : والله لقد سمعت كلاما من محمد ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ولا بالكهانة ، فأطيعوني في هذه وأنزلوها بي ، خلوا محمدا وشأنه واعتزلوه ، فوالله ليكونن لما سمعت من كلامه نبأ ، فان أصابته العرب كفيتموه بأيدي غيركم ، وإن كان ملكا أو نبيا كنتم أسعد الناس به ؛ لأن ملكه ملككم وشرفه شرفكم . فقالوا : هيهات سحرك محمد يا أبا الوليد . وقال : هذا رأيي لكم فاصنعوا ما شئتم .


[13410]:الزيادة من سيرة ابن هشام.

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (3)

ولما تشوف السامع إلى بيان هذا التنزيل المفرق بالتدريج ، بين أنه مع ذلك حاوٍ لكل خير فقال مبدلاً من تنزيل : { كتاب } أي جامع قاطع غالب . ولما كان الجمع ربما أدى إلى اللبس قال : { فصلت } أي تفصيل الجوهر { آياته } أي بينت بياناً شافياً في اللفظ والمعنى مع كونها مفصلة إلى أنواع من المعاني ، وإلى مقاطع وغايات ترقى جلائل المعاني إلى أعلى النهايات ، حال كونه { قرآناً } أي جامعاً مع التفصيل ، وهو مع الجمع محفوظ بما تؤديه مادة " قرا " من معنى الإمساك ، وهو مع جمع اللفظ وضبطه وحفظه وربطه منشور اللواء منتشر المعاني لا إلى حد ، ولا نهاية وعد ، بل كلما دقق النظر جل المفهوم ، ولذلك قال تعالى : { عربياً } لأن لسان العرب أوسع الألسن ساحة ، وأعمقها عمقاً وأغمرها باحة ، وأرفعها بناء وأفصحها لفظاً ، وأبينها معنى وأجلها في النفوس وقعاً ، قال الحرالي : هو قرأن لجمعه ، فرقان لتفصيله ، ذكر لتنبيهه على ما في الفطر والجبلات ، وجوده حكيم لإنبائه الاقتضاءات الحكمية ، مجيد لإقامته قسطاس العدل ، عربي لبيانه عن كل شيء ، كما قال تعالى في سوره أحسن القصص ، وتفصيل كل شيء مبين لمحوه الكفر بما أبان من إحاطة أمر الله ، محفوظ لإحاطته حيث لم يختص فيقبل العدول عن سنن .

ولما كان لا يظهر إلا لمن له قابلية ذلك ، وأدمن اللزوم ذلاً للأعتاب ، والقرع خضوعاً وحباً للأبواب ، قال معلقاً ب " فصلت " أو " تنزيل " أو " الرحمن الرحيم " : { لقوم } أي ناس فيهم قوة الإدراك لما يحاولونه { يعلمون * } أي فيهم قابلية العلم وتجدد الفهم بما فيهم من سلامة الطبع وسلاسة الانقياد لبراهين العقل والسمع وحدة الأذهان وفصاحة اللسان وصحة الأفكار وبعد الأغوار ، وفي هذا تبكيت لهم في كونهم لا ينظرون محاسنه فيهتدوا بها كما يعتنون بالنظر في القصائد حتى يقضوا لبعضها على بعض حتى أنهم ليعلقون بعضها على الكعبة المشرفة تشريفاً له ، وفيه حث لهم - وهم أولو العزائم الكبار - على العلم بع ليغتنوا عن سؤال اليهود ، وفيه بشرى بأنه تعالى يهب العرب بعد هذا الجهل علماً كثيراً ، وعن هذا الكفر إيماناً عظيماً كبيراً ، وفي الآية إشارة إلى ذم المقترحين المشار إليهم آخر التي قبلها بأنهم قد أتاهم ما أغناهم عنه من آيات هذا الكتاب الذي عجزوا عن مباراته ، ومناظرته ومجاراته وذلك في غاية الغرابة ، لأنه كلام من جنس كلامهم في كونه عربياً ، وقد خالف كلامهم في تخطيه من ذرى البلاغة إلى فنن تضاءلت عنها أشعارهم ، وتقاصرت دونها خطبهم وأسجاعهم ، مع كونه ليس شعراً ولا سجعاً أصلاً ولا هو من أنواع نثرهم ، ولا من ضروب خطبهم ، فعجزوا عن الإتيان بشيء من مثله في مر الأحقاب وكر الدهور والأعصار ، وكفى بذلك معجزة شديدة الغرابة لمن ينيب .

وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما تضمنت سورة غافر بيان حال المعاندين وجاحدي الآيات ، وأن ذلك ثمرة تكذيبهم وجدلهم ، وكان بناء السورة على هذا الغرض بدليل افتتاحها وختمها ، ألا ترى قوله تعالى{ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا }[ غافر : 4 ] وتأنيس نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام بقوله{ فلا يغررك تقلبهم في البلاد }[ غافر : 4 ] فقد تقدم ذلك من غيرهم فأعقبهم سوء العاقبة والأخذ الوبيل { كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه } فعصمتهم واقية

{ أنا لننصر رسلنا }[ غافر : 51 ] وقال تعالى :{ وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب }[ غافر : 5 ] أي رأيت ما حل بهم وقد بلغك خبرهم ، فهلا اعتبر هؤلاء بهم{ أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وءاثاراً في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق }[ غافر : 21 ] وإنما أخذهم بتكذيبهم الآيات { ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله } ثم ذكر تعالى من حزب المكذبين فرعون وهامان وقارون ، وبسط القصة تنبيهاً على سوء عاقبة من عاند وجادل بالباطل وكذب الآيات ، ثم قال تعالى بعد آيات { إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه } إذ الحول والقوة ليست لهم فاستعذ بالله }[ الأعراف : 200 ] من شرهم ، فخلق غيرهم لو استبصروا أعظم من خلقهم{ لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس }[ غافر : 57 ] وهم غير آمنين من الأخذ من كلا الخلقين{ إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء }[ سبأ : 9 ] ثم قال تعالى بعد هذا { ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنّى يصرفون } إن أمرهم لعجيب في صرفهم عن استيضاح الآيات بعد بيانها ، ثم ذكر تعالى سوء حالهم في العذاب الأخروي وواهي اعتذارهم بقولهم{ ضلوا عنا بل لمن نكن ندعو من قبل شيئاً }[ غافر : 74 ] ثم صبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله :{ فاصبر إن وعد الله حق }[ الروم : 60 ] ثم أعاد تنبيههم فقال تعالى : { أفلم يسيروا في الأرض } إلى ختم السورة ، ولم يقع من هذا التنبيه الذي دارت عليه آي هذه السورة في سورة الزمر شيء ولا من تكرار التحذير من تكذيب الآيات ، فلما بنيت على هذا الغرض أعقبت بذكر الآية العظيمة التي تحديت بها العرب ، وقامت بها حجة الله سبحانه على الخلق ، وكان قيل لهم : احذروا ما قدم لكم ، فقد جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم بأوضح آية وأعظم برهان { تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون بشيراً ونذيراً } وتضمنت هذه السورة العظيمة من بيان عظيم الكتاب وجلالة قدره وكبير الرحمة به ما لا يوجد في غيرها من أقرانها كما أنها في الفصاحة تبهر العقول بأول وهلة ، فلا يمكن العربي الفصيح في شاهد برهان أدنى توقف ، ولا يجول في وهمه إلى معارضة بعض آيها أدنى تشوف ، وأنه لكتاب عزيز { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } { ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته أعجمي وعربي } فوبخهم سبحانه وتعالى وأدحض حجتهم وأرغم باطلهم وبكَّت دعاويهم ثم قال { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في اذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد } { إنما يستجيب الذين يسمعون } وقرعهم تعالى في ركيك جوابهم عن واضح حجته بقولهم { قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر } وقولهم { لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه } وهذه شهادة منهم على أنفسهم بالانقطاع عن معارضته ، وتسجيلهم بقوة عارضته ، ثم فضحهم بقوله { قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به } - الآية ، وتحملت السورة مع هذا بيان هلاك من عاند وكذب ممن كان قبلهم وأشد قوة منهم ، وهم الذين قدم ذكرهم مجملاً في سورة غافر في آيتي { أو لم يسيروا في الأرض } { أفلم يسيروا } فقال تعالى مفصلاً لبعض ذلك الإجمال { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } ثم قال { فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة } ثم قال تعالى { فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً } الآية ، ثم قال { وأما ثمود } فبين تعالى حالهم وأخذهم ، فاعتضد التحام السورتين ، واتصال المقصدين - والله أعلم - انتهى .