تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ} (14)

11

المفردات :

جميعا : أي : مجتمعين .

محصنة : أي : بالدروب والخنادق وغيرها .

جدر : حيطان ، واحدها جدار .

بأسهم : أي : الخلاف بينهم دائم .

شتى : متفرقة ، واحدها شتيت .

التفسير :

14- { لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ } .

أي : إن هؤلاء اليهود والمنافقون قد ألقي الرعب في قلوبهم ، فلا يواجهونكم بقتال مجتمعين ، لأن الخوف والهلع بلغا منهم كل مبلغ ، بل يقاتلونكم في قرى محصنة بالدروب والخنادق ونحوها ، ومن وراء الجدر والحيطان وهم محاصرون .

ثم بين أن من أسباب هذا الجبن والخوف والتخاذل وعدم الاتحاد حين اشتداد الخطوب ، فقال :

{ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ . . . }

أي : بعضهم عدو لبعض ، فلا يمكن أن يقاتلوا عدوا لهم وهم في تخاذل وانحلال ، ومن ثم استكانوا وذلوا .

وفي هذا عبرة للمسلمين في كل زمان ومكان ، فإن الدول الإسلامية ما هدّ كيانها ، وأضعفها أمام أعدائها إلا تخاذلها أفرادا وجماعات .

{ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى . . . . }

أي : إنك أيها الرسول إذا رأيتهم مجتمعين خِلْتهم متفقين ، وهم مختلفون غاية الاختلاف لما بينهم من إحن وعداوات ، فهم لا يتعاضدون ولا يتساندون ولا يرمون عن قوس واحدة .

وفي هذا تشجيع للمؤمنين على قتالهم ، وحث للعزائم الصادقة على حربهم ، فإن المقاتل متى عرف ضعف خصمه ازداد نشاطا ، وازدادت حميته ، وكان ذلك من أسباب نصرته عليه .

ثم بيّن أسباب التفرق وانحلال الوحدة ، فقال :

{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ } .

أي : ذلك التفرق من جراء أن أفئدتهم هواء ، فهم قوم لا يفقهون سر نظم هذه الحياة ، ولا يعلمون أن الوحدة هي سر النجاح ، ومن ثم تخاذلوا وتفرقت كلمتهم ، واختلف جمعهم ، واستهان بهم عدوهم ، ودارت عليهم الدائرة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ} (14)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {تحسبهم} يا محمد {جميعا} المنافقين واليهود، {وقلوبهم شتى} يعني متفرقة مختلفة.

{ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} عن الله فيوحدونه...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

{لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعا إلاّ فِي قُرًى مُحَصّنَةٍ}: لا يقاتلكم هؤلاء اليهود بني النضير مجتمعين إلا في قرى محصنة بالحصون، لا يبرزون لكم بالبراز.

{أوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ}: أو من خلف حيطان.

{بأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ}: عداوة بعض هؤلاء الكفار من اليهود بعضا شديدة،

{تحْسَبُهُمْ جَمِيعا} يعني المنافقين وأهل الكتاب، يقول: تظنهم مؤتلفين مجتمعة كلمتهم، {وَقُلُوبُهُمْ شَتّى}: وقلوبهم مختلفة لمعاداة بعضهم بعضا.

{ذَلِكَ بأنّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} يقول جلّ ثناؤه: تشتيت أهوائهم، ومعاداة بعضهم بعضا من أجل أنهم قوم لا يعقلون ما فيه الحظّ لهم مما فيه عليهم البخس والنقص.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{وقلوبهم شتى} يعني مختلفة متفرقة، وفي اختلاف قلوبهم وجهان:

أحدهما: لأنهم على باطل، والباطل مختلف، والحق متفق.

الثاني: أنهم على نفاق، والنفاق اختلاف.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

اجتماعُ النفوس -مع تنافر القلوب واختلافها- أصلُ كلَّ فساد، وموجِبُ كُلِّ تخاذُل، ومقتضى تجاسُرِ العدوِّ. واتفاقُ القلوبِ، والاشتراكُ في الهِمَّةِ، والتساوي في القَصْدِ يُوجِبُ كُلَّ ظَفَرٍ وكلَّ سعادة...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{لاَ يقاتلونكم جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ} لقذف الله الرعب في قلوبهم، وأن تأييد الله تعالى ونصرته معكم.

{بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} يعني أنّ البأس الشديد الذي يوصفون به إنما هو بينهم إذا اقتتلوا، ولو قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس والشدّة؛ لأنّ الشجاع يجبن والعزيز يذل عند محاربة الله ورسوله.

{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً} مجتمعين ذوي ألفة واتحاد.

{وَقُلُوبُهُمْ شتى} يعني أنّ بينهم إحنا وعداوات، فلا يتعاضدون حق التعاضد، ولا يرمون عن قوس واحدة. وهذا تجسير للمؤمنين وتشجيع لقلوبهم على قتالهم.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

قال مجاهد: المعنى أنهم إذا اجتمعوا يقولون: لنفعلن كذا وكذا، فهم يهددون المؤمنين ببأس شديد من وراء الحيطان والحصون، ثم يحترزون عن الخروج للقتال، فبأسهم فيما بينهم شديد، لا فيما بينهم وبين المؤمنين.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

{وقلوبهم شتى}: أي وأهواؤهم متفرقة، وكذا حال المخذولين، لا تستقر أهواؤهم على شيء واحد، وموجب ذلك الشتات هو انتفاء عقولهم، فهم كالبهائم لا تتفق على حالة.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

{لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ}: فيقاتلون للدفع عنهم ضرورة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

فلا دين لهم يجمعهم لعلمهم أنهم على الباطل فهم أسرى الأهوية، والأهوية في غاية الاختلاف، فالعقل مدار الاجتماع كما كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن الهوى مدار الاختلاف.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} استئنافٌ سيقَ لبيانِ أن ما ذكرَ من رهبتِهِم ليسَ لضعفِهِم وجبنِهِم في أنفسِهِم فإنَّ بأسَهُم بالنسبة إلى أقرانِهِم شديدٌ وإنما ضعفُهُم وجبنُهُم بالنسبةِ إليكُم بما قذفَ الله تعالَى قلوبَهُم من الرعبِ.

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

وفي هذا عبرة للمسلمين في كل زمان ومكان، فإن الدول الإسلامية ما هدّ كيانها، وأضعفها أمام أعدائها إلا تخاذلها أفرادا وجماعات، وانفراط عقد وحدتها، ومن ثم طمع الأعداء في بلادهم ودخلوها فاتحين وأذاقوا أهلها كؤوس الذل والهوان وفرقوهم شَذرَ مَذرَ، وجعلوهم عبيدا أذلاء في بلادهم والتهموا ثرواتهم، ولم يبقوا لهم إلا النفاية وفتات الموائد. ولله الأمر من قبل ومن بعد، وعسى الله أن يأتي بالفتح أو نصر من عنده، فيستيقظ المسلمون من سباتهم، ويثوبوا إلى رشدهم، فيستعيدوا سابق مجدهم، وتدول الدولة لهم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وما تزال الأيام تكشف حقيقة الإعجاز في "تشخيص " حالة المنافقين وأهل الكتاب حيثما التقى المؤمنون بهم في أي زمان وفي أي مكان، بشكل واضح للعيان... وسبحان العليم الخبير! والمظاهر قد تخدع فنرى تضامن الذين كفروا من أهل الكتاب فيما بينهم، ونرى عصبيتهم بعضهم لبعض، كما نرى تجمع المنافقين أحيانا في معسكر واحد. ولكن الخبر الصادق من السماء يأتينا بأنهم ليسوا كذلك في حقيقتهم، إنما هو مظهر خارجي خادع. وبين الحين والحين ينكشف هذا الستار الخداع. فيبدو من ورائه صدق الخبر في دنيا الواقع المنظور، وينكشف الحال عن نزاع في داخل المعسكر الواحد، قائم على اختلاف المصالح وتفرق الأهواء، وتصادم الاتجاهات.

وما صدق المؤمنون مرة، وتجمعت قلوبهم على الله حقا، إلا وانكشف المعسكر الآخر أمامهم عن هذه الاختلافات وهذا التضارب وهذا الرياء الذي لا يمثل حقيقة الحال. وما صبر المؤمنون وثبتوا، إلا وشهدوا مظهر التماسك بين أهل الباطل يتفسخ وينهار، وينكشف عن الخلاف الحاد والشقاق والكيد والدس في القلوب الشتيتة المتفرقة! إنما ينال المنافقون والذين كفروا من أهل الكتاب.. من المسلمين.. عندما تتفرق قلوب المسلمين، فلا يعودون يمثلون حقيقة المؤمنين التي عرضتها الآية في المقطع السابق في هذه السورة. فأما في غير هذه الحالة فالمنافقون أضعف وأعجز، وهم والذين كفروا من أهل الكتاب متفرقو الأهواء والمصالح والقلوب.

(بأسهم بينهم شديد).. (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى).. والقرآن يقر هذه الحقيقة في قلوب المؤمنين، ليهون فيها من شأن أعدائهم، ويرفع منها هيبة هؤلاء الأعداء ورهبتهم. فهو إيحاء قائم على حقيقة؛ وتعبئة روحية ترتكن إلى حق ثابت. ومتى أخذ المسلمون قرآنهم مأخذ الجد، هان عليهم أمر عدوهم وعدو الله، وتجمعت قلوبهم في الصف الواحد، فلم تقف لهم قوة في الحياة.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والمعنى: لا يهاجمونكم، وإن هاجمتموهم لا يبرزون إليكم، ولكنهم يدافعونكم في قرى محصنة، أو يقاتلونكم من وراء جُدر، أي في الحصون والمعاقل ومن وراء الأسوار، وهذا كناية عن مصيرهم إلى الهزيمة إذ: ما حورب قوم في عُقر دارهم إلا ذلُّوا، كما قال عَلِيّ رضي الله عنه: وهذا إطلاع لهم على تطمين للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ودخائل الأعداء..

{بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شتى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يعقلون}... وهذا تشجيع للمسلمين على قتالهم والاستخفاف بجماعتهم.

وفي الآية تربية للمسلمين ليحذروا من التخالف والتدابر، ويعلموا أن الأمة لا تكون ذات بأس على أعدائها إلا إذا كانت متفقة الضمائر؛ يرون رأياً متماثلاً في أصول مصالحهم المشتركة، وإن اختلفت في خصوصياتها التي لا تنقض أصول مصالحها، ولا تفرِّق جامعتها، وأنه لا يكفي في الاتحاد توافق الأقوال ولا التوافق على الأغراض إلا أن تكون الضمائر خالصة من الإِحن والعداوات.

والقلوب: العقول والأفكار، فالمراد: أنهم لا يعقلون المعقل الصحيح.

وأوثر هنا {لا يعقلون}. وفي الآية التي قبلها {لا يفقهون} [الحشر: 13] لأن معرفة مآل التشتت في الرأي وصرف البأس إلى المشارك في المصلحة من الوَهن والفتّ في ساعد الأمة معرفة « مشهورة» بين العقلاء.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ثمّ يستعرض دليلا واقعياً واضحاً يعبّر عن حالة الخوف والاضطراب حيث يقول سبحانه: {لا يقاتلونكم جميعاً إلاّ في قرى محصنة أو من وراء جدر}.

ثمّ يوضّح أنّ هذا ليس ناتجاً عن جهل بمعرفة فنون الحرب، أو قلّة في عددهم وعدّتهم، أو عجز في رجالهم، بل إنّ (بأسهم بينهم شديد). وهذا الأمر تقريباً يمثّل أصلا كليّاً في مورد اقتتال الفئات غير المؤمنة فيما بينهم، وكذلك محاربتهم للمؤمنين. ونشاهد مصاديق هذا المعنى بصورة متكرّرة أيضاً في التأريخ المعاصر، حيث نلحظ عند اشتباك مجموعتين غير مؤمنتين مع بعضهما شدّة الفتك وقسوة الانتقام وشراسة المواجهة بينهما بصورة لا تدعو للشكّ في قوّة كلّ منهما... ولكن لو تغيّرت المعادلة، وأصبحت المواجهة بين مجموعة غير مؤمنة بالله وأخرى مؤمنة مستعدّة للشهادة في سبيل الله، عند ذلك نرى أعداء الحقّ يلوذون إلى القلاع المحكمة ويخفون أنفسهم في المواضع ووراء المتاريس وخلف الأسلحة، ويسيطر عليهم الخوف ويهيمن عليهم الرعب ويملأ كلّ وجودهم، والحقيقة أنّ المسلمين إذا جعلوا إيمانهم وقيمهم الإسلامية هي الأساس فإنّهم منتصرون ومتفوقون على الأعداء بلا ريب. ولهذا السبب واستمرارا لما ورد في نفس الآية نستعرض سبباً آخر من أسباب اندحار المنافقين، حيث يقول سبحانه: (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى ذلك بأنّهم قوم لا يعقلون). إنّ القرآن الكريم في تحليل المسائل بشكل دقيق جدّاً وملهم يؤكّد على أنّ التفرقة والنفاق الداخلي وليدة الجهل وعدم المعرفة، لأنّ الجهل عامل الشرك، والشرك عامل للتفرقة، والتفرقة تسبّب الهزيمة. وبالعكس فإنّ «العلم» عامل لوحدة العقيدة والعمل والانسجام والاتفاق، وهذه الصفات بحدّ ذاتها مصدر للانتصار. وهكذا فإنّ الانسجام الظاهري للعناصر غير المؤمنة والاتفاقيات العسكرية والاقتصادية يجب ألاّ تخدعنا أبداً، لأنّ وراءها قلوب متناحرة متنافرة، ودليلها واضح وهو انهماك كلّ منهم بمنافعه المادية بشكل شديد، وبما أنّ المنافع غالباً ما تكون متعارضة، فعندئذ تبرز الاختلافات والشحناء فيما بينهم، ولن تغني عن ذلك العهود والاتفاقيات وشعارات الوحدة والانسجام الظاهري. في الوقت الذي تكون فيه وحدة وانسجام المؤمنين على قواعد وأصول ربّانية كأصل الإيمان والتوحيد والقيم الإلهية، وإذا أصيب المسلمون بانتكاسة في أعمالهم فإنّ ذلك دليل على ابتعادهم عن حقيقة الإيمان وما لم يعودوا إلى الإيمان فإنّ وضعهم لن يتحسّن.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ} (14)

{ لا يقاتلونكم جميعا } أي اليهود { إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر } أي لما ألقى الله في قلوبهم من الرعب لا يقاتلونكم الا متحصنين بالقرى والجدران ولا يبرزن لقتالكم { بأسهم بينهم شديد } خلافهم بينهم عظيم { تحسبهم جميعا } مجتمعين متفقين { وقلوبهم شتى } مختلفة متفرقة و { ذلك بأنهم قوم لا يعقلون } عن الله أمره .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ} (14)

قوله تعالى : { لا يقاتلونكم جميعا } يعني اليهود { إلا في قرى محصنة }أي بالحيطان والدور ، يظنون أنها تمنعهم منكم . { أو من وراء جدر } أي من خلف حيطان يستترون بها لجبنهم ورهبتهم . وقراءة العامة " جدر " على الجمع ، وهو اختيار أبي عبيدة وأبي حاتم ؛ لأنها نظير قوله تعالى : { في قرى محصنة } وذلك جمع . وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو " جدار " على التوحيد ؛ لأن التوحيد يؤدي عن الجمع . وروي عن بعض المكيين " جدر " ( بفتح الجيم وإسكان الدال ) ، وهي لغة في الجدار . ويجوز أن يكون معناه من وراء نخيلهم وشجرهم ، يقال : أجدر النخل إذا طلعت رؤوسه في أول الربيع . والجدر : نبت واحدته جِدْرة . وقرئ " جُدْر " ( بضم الجيم وإسكان الدال ) جمع الجدار . ويجوز أن تكون الألف في الواحد كألف كتاب ، وفي الجمع كألف ظراف . ومثله ناقة هجان ونوق هجان ؛ لأنك تقول في التثنية : هجانان ، فصار لفظ الواحد والجمع مشتبهين في اللفظ مختلفين في المعنى ، قاله ابن جني .

قوله تعالى : { بأسهم بينهم شديد } يعني عداوة بعضهم لبعض . وقال مجاهد : { بأسهم بينهم شديد } أي بالكلام والوعيد لنفعلن كذا . وقال السدي : المراد اختلاف قلوبهم حتى لا يتفقوا على أمر واحد . وقيل : { بأسهم بينهم شديد } أي إذا لم يلقوا عدوا نسبوا أنفسهم إلى الشدة والبأس ، ولكن إذا لقوا العدو انهزموا . { تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى }يعني اليهود والمنافقين ، قاله مجاهد . وعنه أيضا يعني المنافقين . الثوري : هم المشركون وأهل الكتاب . وقال قتادة : " تحسبهم جميعا " أي مجتمعين على أمر ورأي . " وقلوبهم شتى " متفرقة . فأهل الباطل مختلفة آراؤهم ، مختلفة شهادتهم ، مختلفة أهواؤهم وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق . وعن مجاهد أيضا : أراد أن دين المنافقين مخالف لدين اليهود ، وهذا ليقوي أنفس المؤمنين عليهم . وقال الشاعر :

إلى الله أشكو نِيَّةً شَقَّتِ العَصَا *** هي اليوم شَتَّى وهي أمس جُمَّعُ

وفي قراءة ابن مسعود { وقلوبهم أشت } يعني أشد تشتيتا ، أي أشد اختلافا . { ذلك بأنهم قوم لا يعقلون } أي ذلك التشتيت والكفر بأنهم لا عقل لهم يعقلون به أمر الله .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ} (14)

ولما أخبر برهبتهم دل عليها بقوله : { لا يقاتلونكم } أي كل من الفريقين اليهود والمنافقين أو أحدهما . ولما كان الشيء قد يطلق ويراد بعضه ، حقق الأمر بقوله : { جميعاً } أي {[64031]}قتالاً يقصدونه مجاهرة وهم{[64032]} مجتمعون كلهم في وقت من الأوقات ومكان من الأماكن { إلا في قرى محصنة } أي ممنعة{[64033]} بحفظ الدروب وهي السكك الواسعة بالأبواب والخنادق ونحوها { أو من وراء جدر } أي محيط بهم سواء كان بقرية أو غيرها لشدة خوفهم ، وقد أخرج بهذا ما حصل من بعضهم{[64034]} عن ضرورة كاليسير ، ومن كان ينزل{[64035]} من أهل خيبر من الحصن يبارز ونحو ذلك ، فإنه لم يكن عن اجتماع ، أو يكون هذا خاصاً ببني النضير في هذه الكرة{[64036]} .

ولما كان ربما ظن أن هذا عن عجز منهم لازم لهم دفعه{[64037]} بقوله إعلاماً بأنه إنما هو من معجزات هذا الدين{[64038]} : { بأسهم } أي قوتهم{[64039]} ما فيهم من الصفات التي يتأثر عنها{[64040]} العذاب { بينهم شديد } أي إذا أداروا{[64041]} رأياً أو حارب بعضهم بعضاً فجرأ المؤمنين عليهم{[64042]} بأن ما ينظرونه من{[64043]} شدتهم وشجاعتهم إذا حاربوا المشركين {[64044]}لا ينكر{[64045]} عند محاربة{[64046]} المؤمنين كرامة{[64047]} أكرم الله بها المؤمنين تتضمن علماً من أعلام النبوة{[64048]} تقوية لإيمانهم{[64049]} وإعلاء لشأنهم .

ولما كانت علة الشدة الاجتماع ، شرح حالتي الشدة والرهبة بقوله مخاطباً للنبي صلى الله عليه وسلم إشارة إلى شدة ما يظهرون{[64050]} من ألف بعضهم لبعض : { تحسبهم } أي اليهود والمنافقين يا أعلى الخلق ويا أيها الناظر من كان لذلك التعاطف{[64051]} الظاهر { جميعاً } لما هم فيه من اجتماع الدفاع{[64052]} وعن ذلك نشأت الشدة { وقلوبهم شتى } أي مفترقة أشد افتراق ، وعن ذلك نشأت الرهبة ، وموجب هذا الشتات{[64053]} اختلاف الأهواء{[64054]} التي لا جامع لها من نظام{[64055]} العقل كالبهائم وإن اجتمعوا في عداوة أهل الحق كاجتماع{[64056]} البهائم في الهرب من الذئب ، قال القشيري : اجتماع النفوس مع تنافر{[64057]} القلوب واختلافها أصل كل فساد و{[64058]}موجب كل تخاذل ، ومقتض لتجاسر{[64059]} العدو ، واتفاق القلوب{[64060]} والاشتراك{[64061]} في الهمة والتساوي في القصد{[64062]} يوجب كل ظفر{[64063]} وكل سعادة{[64064]} .

ولما كان السبب الأعظم في الافتراق ضعف العقل ، قال معللاً : { ذلك } أي الأمر الغريب من الافتراق بعد{[64065]} الاتفاق الذي يخيل{[64066]} الاجتماع { بأنهم قوم } أي مع شدتهم{[64067]} { لا يعقلون * } فلا دين لهم يجمعهم{[64068]} لعلمهم أنهم على الباطل فهم{[64069]} أسرى الأهوية ، والأهوية في غاية الاختلاف ، فالعقل مدار الاجتماع كما{[64070]} كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم {[64071]}كما أن{[64072]} الهوى مدار الاختلاف .


[64031]:- زيدت الواو بعده في الأصل ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[64032]:- زيد من م.
[64033]:- من ظ، وفي الأصل وم: ممتنعه.
[64034]:- من ظ وم، وفي الأصل: لبعضهم.
[64035]:- من ظ وم، وفي الأصل: يترك.
[64036]:- من م، وفي الأصل وظ: الكثرة.
[64037]:- من ظ وم، وفي الأصل: فقيد.
[64038]:- من ظ وم، وفي الأصل: النبي.
[64039]:- من ظ وم، وفي الأصل: شدتهم.
[64040]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيها.
[64041]:- من ظ وم، وفي الأصل: أرادوا.
[64042]:- من ظ وم، وفي الأصل: دل ما يشيروا وله على.
[64043]:- من ظ وم، وفي الأصل: دل ما يشيروا وله على.
[64044]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[64045]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[64046]:- من ظ وم، وفي الأصل: المحاربة.
[64047]:- من ظ وم، وفي الأصل: كم النعمة.
[64048]:- من ظ وم، وفي الأصل: لتقوية دايما فيهم.
[64049]:- من ظ وم، وفي الأصل: لتقوية دايما فيهم.
[64050]:- من ظ وم، وفي الأصل: يغرمون.
[64051]:- من ظ وم، وفي الأصل: متطف.
[64052]:- زيد من ظ وم.
[64053]:- من ظ وم، وفي الأصل: يختلاف الأصل.
[64054]:- من ظ وم، وفي الأصل: يختلاف الأصل.
[64055]:- من ظ وم، وفي الأصل: النظام.
[64056]:- من ظ و م، وفي الأصل: فاجتماع.
[64057]:- من ظ وم، وفي الأصل: تنافرت.
[64058]:- زيد من ظ وم.
[64059]:- من ظ وم، وفي الأصل: لتحاير.
[64060]:- من ظ وم، وفي الأصل: بل اشتراك.
[64061]:- من ظ وم، وفي الأصل: العصمة.
[64062]:- من ظ وم، وفي الأصل: الظفر.
[64063]:- من ظ وم، وفي الأصل: السعادة.
[64064]:- من ظ وم، وفي الأصل: بعده.
[64065]:من ظ وم، وفي الأصل: بعده.
[64066]:- من ظ وم، وفي الأصل: يخل.
[64067]:- زيد في الأصل: وفوتهم بمحق إن كل، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64068]:- من ظ وم، وفي الأصل: يجيعهم.
[64069]:- من ظ وم، وفي الأصل: فهو.
[64070]:- من ظ وم، وفي الأصل "و".
[64071]:- من ظ وم، وفي الأصل: كمال.
[64072]:- من ظ وم، وفي الأصل: كمال.
 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ} (14)

{ لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ ( 14 ) } .

لا يواجهكم اليهود بقتال مجتمعين إلا في قرى محصنة بالأسوار والخنادق ، أو من خلف الحيطان ، عداوتهم فيما بينهم شديدة ، تظن أنهم مجتمعون على كلمة واحدة ، ولكن قلوبهم متفرقة ؛ وذلك بسبب أنهم قوم لا يعقلون أمر الله ولا يتدبرون آياته .