تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَتَوَلَّىٰ بِرُكۡنِهِۦ وَقَالَ سَٰحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٞ} (39)

الاعتبار بما أصاب المكذبين

{ وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ( 38 ) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ( 39 ) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ ( 40 ) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ( 41 ) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ( 42 ) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ ( 43 ) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ( 44 ) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ ( 45 ) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ( 46 ) }

38

المفردات :

بسلطان مبين : بدليل واضح له سلطان على القلوب ، يتمثل في معجزاته الظاهرة كاليد والعصا .

الركن : ما يركن إليه الشيء ويتقوى به ، والمراد هنا : جنوده وأعوانه ووزراؤه ، كما جاء في سورة هود : { أو آوى إلى ركن شديد } . ( هود : 80 )

التفسير :

38-39 : { وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } .

وفي قصة موسى عظة وعبرة ، حين أرسلناه رسولا إلى فرعون ، وزوّدنا موسى بالمهابة والجلال ، وأعطيناه المعجزات الواضحة ، مثل اليد والعصا ، في مجموع تسع آيات ظاهرات تؤكد رسالته وصدقه ، لكن فرعون اغترّ بجنوده وقوته ، وغرّه ما يملك من القوة والأتباع ، وألصق التهم بموسى حتى يصرف قومه عن الاستماع إليه .

فقال : هذه المعجزات التي جاء بها موسى ، تدل على أن أمره لا يخلو من أن يكون ساحرا أو مجنونا ، فإذا كانت هذه المعجزات حدثت باختيار موسى فتكون سحرا ، وإذ كانت بغير اختياره فيكون ذلك نوعا من الجنون أو كأن الجن تساعده .

ويجوز أن تكون ( أو ) بمعنى الواو ، كما قال أبو عبيدة ، لأن القرآن حكى عن فرعون أنه اتهم موسى بالسحر تارة ، وبالجنون أخرى .

فقال عن موسى مرة : { إنّ هذا لساحر عليم } . ( الشعراء : 34 )

وقال مرة أخرى : { إنّ رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون } . ( الشعراء : 27 ) .

ونلحظ أن هذه التهم دبّرها كفار كل أمة ، كأنما وصّى السابق منهم اللاحق ، أو أن السبب هو الطغيان وكراهة الحق ، والغلوّ في الظلم والعناد .

قال تعالى : { كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } . ( الذاريات : 52-53 ) .

وهكذا نجد ملة الكفر واحدة ، وطريقة الكافرين واحدة ، حيث جعلوا المعجزات سحرا ، وجعلوا ما أتى به الرسل من تشريع وتوحيد وأخبار وتذكير ، جنونا وترَّهات لا تخضع لعقل بشر ، لأنها فوق طاقته أو فوق قدرته ، ولو أنصفوا لقالوا : إن هذا وحي من السماء لا يستطيع البشر أن يأتي بمثله .

قال تعالى : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا . } ( الإسراء : 88 ) .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَتَوَلَّىٰ بِرُكۡنِهِۦ وَقَالَ سَٰحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٞ} (39)

فتولى بركنه : فتولى بقوته معتزاً بها وبجنوده .

فأعرض فرعونُ عن الإيمان برسالة موسى معتدّاً بقوّته وما عندَه من جنودٍ ومُلكٍ ، وقال عن موسى : إنه ساحر أو مجنون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَتَوَلَّىٰ بِرُكۡنِهِۦ وَقَالَ سَٰحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٞ} (39)

فتولى فرعون { بِرُكْنِهِ } أي : أعرض بجانبه عن الحق ، ولم يلتفت إليه ، وقدح فيه أعظم القدح فقالوا : { سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } أي : إن موسى ، لا يخلو ، إما أن يكون أتى به شعبذة{[860]}  ليس من الحق في شيء ، وإما أن يكون مجنونًا ، لا يؤخذ بما صدر منه ، لعدم عقله .

هذا ، وقد علموا ، خصوصًا فرعون ، أن موسى صادق ، كما قال تعالى : { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ] } وقال موسى لفرعون : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [ بَصَائِرَ } الآية ] ،


[860]:- في ب: إما أن يكون ما أتي به سحرًا وشعبذة.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَتَوَلَّىٰ بِرُكۡنِهِۦ وَقَالَ سَٰحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٞ} (39)

قوله تعالى : { فتولى } أي : أعرض وأدبر عن الإيمان ، { بركنه } أي : بجمعه وجنوده الذين كانوا يتقوى بهم ، كالركن الذي يقوى به البنيان ، نظيره قوله تعالى : { وآوي إلى ركن شديد }( هود-80 ) ، { وقال ساحر أو مجنون } قال أبو عبيدة : أو بمعنى الواو .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{فَتَوَلَّىٰ بِرُكۡنِهِۦ وَقَالَ سَٰحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٞ} (39)

{ فتولى } فأعرض عن الايمان { بركنه } مع جنوده وما كان يتقوى به

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَتَوَلَّىٰ بِرُكۡنِهِۦ وَقَالَ سَٰحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٞ} (39)

{ فتولى } أي كلف نفسه الإعراض بعد ما دعاه علمها {[61413]}إلى الإقبال إليها{[61414]} ، وأشار إلى توليه بقوله : { بركنه } أي بسب ما يركن إليه من القوة في نفسه وبأعوانه وجنوده أو بجميع جنوده - كناية عن المبالغة في الإعراض ، { وقال } معلماً بعجزه عما أتاه به وهو لا يشعر : { ساحر } ثم ناقض كمناقضتكم{[61415]} فقال بجهله عما يلزم على قوله : { أو مجنون * } أي لاجترائه عليّ مع ما لي من عظيم الملك بمثل هذا الذي يدعو إليه ويتهدد عليه .


[61413]:من مد، وفي الأصل: بالإقبال النهار.
[61414]:من مد، وفي الأصل: بالاقبال النهار.
[61415]:من مد، وفي الأصل: مناقضتكم.