شددنا أسرهم : أحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب والعروق .
بدلنا أمثالهم : أهلكناهم ، وبدلنا أمثالهم في شدة الخلق .
10- نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدّلنا أمثالهم تبديلا .
أي : نحن لا غيرنا ، خلقنا الناس جميعا من العدم ، ومنحناهم الحياة والقوة والسمع والبصر ، وأحكمنا خلقهم .
أحكمنا خلقهم وربط مفاصلهم بالأعصاب والعروق ، حتى كانوا أقوياء أشداء ، فكم في خلق الإنسان من عجائب ، أضف إلى ذلك جمال الخلق ، والتركيب والإبداع ، وتيسير الحركة ، واستخدام آلاته ، كاليدين والرجلين والأذنين ، والعينين والفم والأنف ، والأعضاء التناسلية ، وسائر القوى الموجودة بالإنسان فضلا عن العقل والمخ والأعصاب ، والفهم والذكاء والاستنباط .
قال تعالى : وفي أنفسكم أفلا تبصرون . ( الذاريات : 21 ) .
وقال تعالى : يا أيها الإنسان ما غرّك بربك الكريم* الذي خلقك فسوّاك فعدلك* في أي صورة ما شاء ركّبك . ( الانفطار : 6-8 ) .
وإذا شئنا بدّلنا أمثالهم تبديلا .
ولو أردنا لأهلكناهم وأوجدنا بدلهم خلقا آخر أطوع وأعبد لله منهم ، وقد وردت الآية مورد التهديد والوعيد .
وقريب من ذلك قوله تعالى : يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد* إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد* وما ذلك على الله بعزيز . ( فاطر : 15-17 ) .
{ 28 } ثم استدل عليهم وعلى بعثهم بدليل عقلي ، وهو دليل الابتداء ، فقال : { نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ } أي : أوجدناهم من العدم ، { وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ } أي : أحكمنا خلقتهم بالأعصاب ، والعروق ، والأوتار ، والقوى الظاهرة والباطنة ، حتى تم الجسم واستكمل ، وتمكن من كل ما يريده ، فالذي أوجدهم على هذه الحالة ، قادر على أن يعيدهم بعد موتهم لجزائهم ، والذي نقلهم في هذه الدار إلى هذه الأطوار ، لا يليق به أن يتركهم سدى ، لا يؤمرون ، ولا ينهون ، ولا يثابون ، ولا يعاقبون ، ولهذا قال : { بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا } أي : أنشأناكم للبعث نشأة أخرى ، وأعدناكم بأعيانكم ، وهم بأنفسهم أمثالهم .
قوله تعالى : " نحن خلقناهم " أي من طين . " وشددنا أسرهم " أي خلقهم ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة ومقاتل وغيرهم . والأسر الخلق . قال أبو عبيد : يقال فرس شديد الأسر أي الخلق . ويقال أسره الله جل ثناؤه إذا شدد خلقه . قال لبيد :
سَاهِمُ الوَجْهِ شديدٌ أَسْرُهُ *** مُشْرِفُ الحَارِكِ مُحْبُوكُ الكَتِدَ{[15709]}
من كل مُجْتَنِبٍ شديدٍ أسْرُهُ *** سَلِسِ القِيَادِ تَخَالُهُ مُخْتَالاَ{[15710]}
وقال أبو هريرة والحسن والربيع : شددنا مفاصلهم وأوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب . وقال مجاهد في تفسير الأسر : هو الشرج ، أي إذا خرج الغائط والبول تقبض الموضع . وقال ابن زيد القوة . وقال ابن أحمر يصف فرسا :
يمشِي بأَوْظِفَةٍ شِدَادٍ أَسْرُهَا *** صُمِّ السَّنَابِكِ لا تَقِي بالجَدْجَدِ{[15711]}
واشتقاقه من الأسار وهو القد الذي يشد به الأقتاب . يقال : أسرت القتب أسرا أي شددته وربطه . ويقال : ما أحسن أسر قتبه أي شده وربطه . ومنه قولهم : خذه بأسره إذا أرادوا أن يقولوا هو لك كله . كأنهم أرادوا تعكيمه{[15712]} وشده لم يُفْتَح ولم يُنْقَص منه شيء . ومنه الأسير ، لأنه كان يكتف بالإسار . والكلام خرج مخرج الامتنان عليهم بالنعم حين قابلوها بالمعصية . أي سويت خلقك وأحكمته بالقوي ثم أنت تكفر بي . " وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا " قال ابن عباس : يقول لو نشاء لأهلكناهم وجئنا بأطوع لله منهم . وعنه أيضا : لغيرنا محاسنهم إلى أسمج الصور وأقبحها . كذلك روى الضحاك عنه . والأول رواه عنه أبو صالح .
ولما كان تركهم لليوم{[70779]} الثقيل على وجه التكذيب الذي هو أقبح الترك ، وكان تكذيبهم لاعتقادهم عدم القدرة عليه{[70780]} قال دالاً على الإعادة بالابتداء من باب الأولى : { نحن خلقناهم } ، بما لنا من العظمة لا غيرنا { وشددنا أسرهم } أي قوينا وأتقنا{[70781]} ربط مفاصلهم الظاهرة والباطنة بالأعصاب على وجه الإحكام بعد كونهم نطفة أمشاجاً{[70782]} في غاية الضعف ، وأصل الأسر ، القد يشد به الأقتاب أو الربط والتوثيق ، ولا شك أن من قدر على إنشاء شخص من نطفة قادر على أن يعيده كما كان لأن-{[70783]} جسده الذي أنشأه إن كان محفوظاً فالأمر فيه واضح ، وإن كان قد صار تراباً فإبداعه منه مثل إبداعه من النطفة ، وأكثر ما فيه أن يكون كأبيه{[70784]} آدم عليه السلام بل هو أولى فإنه ترابه له أصل في الحياة بما كان حياً ، وتراب آدم عليه السلام لم يكن له أصل قط في الحياة-{[70785]} والإعادة أهون في مجاري عادات{[70786]} الخلق من الابتداء ، و-{[70787]} لذلك قال معبراً بأداة التحقق : { وإذا شئنا } أي بما لنا من العظمة أن نبدل ما نشاء من صفاتهم أو ذواتهم { بدلنا أمثالهم } أي بعد الموت في الخلقة وشدة الأسر { تبديلاً * } أو{[70788]} المعنى : جئنا بأمثالهم بدلاً منهم وخلائف لهم ، أو يكون المراد - وهو أقعد - بالمثل الشخص أي بدلنا أشخاصهم لتصير بعد القوة إلى ضعف وبعد الطول إلى قصر وبعد البياض إلى سواد وغير ذلك من الصفات كما شوهد في بعض الأوقات في المسخ وغيره ، وكل ذلك دال على تمام قدرتنا وشمول علمنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.