( سورة الحاقة مكية ، وآياتها 52 آية ، نزلت بعد سورة الملك )
وهي نموذج للسورة المكية التي تستولي على القلوب بأهوالها ومشاهدها وأفكارها المتتابعة ، وفواصلها القصيرة .
في بداية السورة نلحظ هذه الرهبة من اسمها ، الحاقة ، لأن وقوعها حق يقيني ، ثم تصف مصارع المكذبين ، من ثمود إلى عاد إلى فرعون ، ثم تنتقل إلى مشاهد القيامة وأهوالها وصورها ، وتنوع الناس إلى فريقين : فريق يأخذ كتابه باليمين ، وفريق يأخذ كتابه بالشمال ، ويلقى كل فريق ما يستحق .
وفي المقطع الأخير من السورة تؤكد الآيات صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتنفي عنه تهم المشركين ، وتثبت أن القرآن حق يقين ، من عند رب العالمين .
1-3- الحاقة* ما الحاقة* وما أدراك ما الحاقة .
القيامة ومشاهدها وأحداثها تشغل معظم هذه السورة ، ومن ثم تبدأ السورة باسم من أسماء القيامة : الحاقة ، أي : الساعة الواجبة الوقوع ، الثابتة المجيء ، وهي آتية لا ريب فيها ، من : حق يحق بالكسر ، أي وجب .
وهذا المطلع يوحى بقدرة القدير ، وضعف الإنسان ، فهو لن يترك سدى ، بل أمامه يوم كله حق وعدل .
والألفاظ في السورة بهذا المعنى وتؤكده :
الحاقة ، ثم يتبعها باستفهام حافل بالاستهوال والاستعظام ، ما الحاقة . ما هي ؟ أي شيء هي ؟ أي حقها أن يستفهم عنها لعظمها ، وهذا أسلوب من الكلام يفيد التفخيم والمبالغة في الغرض الذي يساق له .
وما أدراك ما الحاقة . أي شيء أعلمك ما هي ؟ فهي خارجة عن دائرة علم المخلوقات لعظم شأنها ، ومدى هولها وشدتها ، ثم يسكت الأسلوب فلا يجيب على هذا السؤال ، لتذهب النفس في هوله وشدته كل مذهب .
ومن أسماء القيامة الحاقة ، والقارعة لأنها تقرع القلوب بأهوالها .
4-5- تصف الآيات ما أصاب ثمود من العذاب ، وثمود كانت تسكن الحجر في شمال الحجاز ، بين الحجاز والشام ، وقد كذبوا نبيهم ، فأرسل الله عليهم صيحة أهلكتهم ، وسميت الصيحة هنا طاغية لأنها جاوزت الحد في الشدة ، وسميت في سور أخرى بالصاعقة وبالرجفة وبالزلزلة ، وهي صفات للصيحة تبين أثرها فيمن نزلت بهم .
6-8- تصف الآيات قصة هلاك عاد ، وقد كذبوا رسولهم ، فأرسل الله عليهم ريحا باردة عاتية ، استمرت سبع ليال وثمانية أيام ، حسوما : متتابعة ، حتى هلك القوم أجمعون ، وقد كانوا يسكنون بالأحقاف ، في جنوب الجزيرة بين اليمن وحضرموت ، وكانوا أشداء بطّاشين جبّارين ، وكان الجزاء من جنس العمل .
9-10- تصف مجيء فرعون ومن تقدمه من الأمم التي كفرت بآيات الله ، كقوم نوح وعاد وثمود ، والقرى التي ائتفكت بأهلها ، أي انقلبت بهم ، وهي قرى قوم لوط ، فقد عصى هؤلاء رسل الله الذين أرسلوا إليهم ، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر .
11- 12- ترسم الآيتان مشهد الطوفان والسفينة الجارية ، تشير بهذا المشهد إلى مصرع قوم نوح حين كذبوا ، وتمتن على البشر بنجاة أصولهم التي انبثقوا منها ، والمشهور أن الناس كلهم من سلائل نوح وذريته .
13- 18- تصف الآيات أهوال القيامة وأحداثها ، فإسرافيل ينفخ في الصور ، وتسوى الأرض والجبال ، وتدك كالكرة فيستوى عاليها بأسفلها ، عندئذ نزلت النازلة ، وجاءت القيامة . وقد انفرط عقد الكون المنظور ، واختلت روابطه وضوابطه التي تمسك به ، فترى السماء مشققه واهية مسترخية ، ساقطة والعرش فوقهم يحمله ثمانية : ثمانية أملاك ، أو ثمانية صفوف منهم ، أو ثمانية أصناف ، أو طبقات من طبقاتهم ، أو ثمانية مما يعلم اله ولا ندرى نحن من هم ولا ما هم .
يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية . ( الحاقة : 18 ) . فالكل مكشوف : مكشوف الجسد ، مكشوف النفس ، مكشوف الضمير ، مكشوف المصير .
ألا إنه لأمر عصيب ، وقوف الإنسان عريان الجسد ، عريان النفس ، عريان المشاعر ، عريان التاريخ ، عريان العمل ، ما ظهر منه وما استتر ، أمام تلك الحشود الهائلة من خلق الله ، من الإنس والجن والملائكة ، وتحت جلال الله وعرشه المرفوع فوق الجميع .
19- 24- تصف الآيات مشهد المؤمن الناجي ، وهو ينطلق في فرحة غامرة بين الجموع الحاشدة ، تملأ الفرحة جوانحه فيهتف : اقرؤوا كتابي فأنا من الناجين ، لقد أيقنت بالجزاء والحساب ، فيعيش حياة ناعمة ، في جنة عالية ، ثمارها قريبة التناول ، ويقول لهم ربهم جل ثناؤه : كلوا وتمتعوا جزاء عملكم السابق وطاعتكم لربكم .
25- 29- تصف الآيات حسرة المشرك ، وبؤسه ويأسه ، فهو يتمنى أنه لم يأت للموقف ، ولم يؤت كتابه ، ولم يدر ما حسابه ، كما يتمنى أن لو كانت هذه القارعة هي القاضية ، التي تنهي وجوده أصلا فلا يعود بعدها شيئا .
ثم يتحسر أن لا شيء نافعه مما كان يعتز به أو يجمعه ، فلا المال أغنى أو نفع ، ولا السلطان بقى أو دفع ، والرنة الحزينة الحسيرة المديدة في طرف الفاصلة الساكنة ، وفي ياء العلة بعد المد بالألف ، في تحزن وتحسر تشعر بالحسرة والأسى والحزن العميق .
32- ثم يقال لملائكة العذاب : خذوه إلى جهنم ، فيبتدره سبعون ألف ملك ، كلهم يبادر إلى جعل الغلّ في عنقه ، ويتقدم ليصطلى نار الجحيم ويشوى بها ، ويدخل في سلسلة طولها سبعون ذراعا تلف على جميع جسمه ، وذراع واحدة من سلاسل النار تكفيه ، ولكن الآية تكشف عن شدة العذاب وهوله ، حفظنا الله من عذاب النار .
33 ، 34- تذكر الآيتان أسباب العذاب و السعير ، فقد خلا قلب هذا الكافر من الإيمان بالله ، كما خلا قلبه من الرحمة بالعباد ، ومن العطف على المساكين ، ومن الحث على إطعامهم والبر بهم .
35- 37- ولهذا لا يجد له صديقا ولا حميما يؤنسه ، ولا يأكل إلا غسالة أهل جهنم من القيح والصديد ، وهو طعام لا يأكله إلا المذنبون ، المتصفون بالخطيئة ، فليتق الله كل غني في ماله ، وليعلم أن للمساكين والأرامل والشيوخ والأطفال حقا في هذا المال ، وسيترك المال لورثته ويسأل هو عن زكاته .
38- 43- إن الوجود أضخم بكثير مما يرى البشر ، والكون مملوء بعقول فعالة غير عقولنا .
( إن الإنسان قد يكون جهازا ، ولكن ما الذي يدير هذا الجهاز ؟ لأنه بدون أن يدار لا فائدة منه ، والعلم لا يعلل من يتولى إدارته ، وكذلك لا يزعم أنه مادي ، لقد بلغنا من التقدم درجة تكفي لأن نوقن بأن الله قد منح الإنسان قبسا من نوره " i .
والآيات تقسم بما تشاهدون من المخلوقات وبما غاب عنكم ، وقال عطاء : ما تبصرون من آثار القدرة ، وما لا تبصرون من أسرار القدرة .
إن القرآن كلام الله ومنهج الله وشريعة الله ، وليس قول شاعر ولا قول كاهن ، إنما هو قول رسول أرسل به من عند الله ، فحمله إلى عباد الله بأمانة وإخلاص في تبليغ الرسالة .
44- 46- إن قدرة الله بالغة ، ولو كذب محمد علينا ، أو افترى بعضه ونسبه إلينا ، لعاجلناه بالعقوبة ، وأزهقنا روحه ، فكان كمن قطع وتينه . وهذا تصوير للهلاك بأفظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه ، إذ يأخذه السياف بيمينه ، ويكفحه بالسيف ويضرب عنقه .
47- لا يمنعنا أحد من عقوبة محمد والتنكيل به إذا افترى علينا .
48- 52- إن القرآن يذكر القلوب التقية فتتذكر ، أن الحقيقة التي جاء بها كامنة فيها فهو يثيرها ويذكرها فتتذكر ، أما المطموسة قلوبهم فهم يكذبون بهذا القرآن ، والقرآن حجة على الكافرين في الدنيا ، وحسرة عليهم إذا رأوا عذاب الآخرة .
وهذا القرآن عميق في الحق ، عميق في اليقين ، تنزيل من رب العالمين ، فعلينا أن نعظم الله وأن ننزهه ونجلّه ، ونعترف له بالقدرة والعظمة : فسبّح باسم ربك العظيم . ( الحاقة : 52 ) .
الخبر عن صعوبة القيامة ، وهلاك الأمم المكذبة لرسلها ، وذكر نفخة الصور ، وانشقاق السماوات ، وحال السعداء والأشقياء في قوت قراءة الكتب ، وذل الكفار مقهورين في أيدي الزبانية ، وإثبات أن القرآن العظيم وحي من عند الله ، وليس بقول شاعر ولا كاهن ، والأمر بالتسبيحii في قوله : فسبّح باسم ربك العظيم . ( الحاقة : 52 ) .
{ الحاقّة 1 ما الحاقّة 2 وما أدراك ما الحاقّة 3 كذّبت ثمود وعاد بالقارعة 4 فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية 5 وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية 6 سخّرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية 7 فهل ترى لهم من باقية 8 وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة 9 فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية 10 إنا لمّا طغا الماء حملناكم في الجارية 11 لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية 16 }
الحاقّة : القيامة ، من حقّ الشيء إذا ثبت ووجب ، أي : الساعة الثابتة المجيء ، الواجبة الوقوع .
1 ، 2 ، 3- الحاقّة* ما الحاقّة* وما أدراك ما الحاقّة .
افتتاح يهول النفس والقلب ، افتتاح معجز رهيب ، يتحدث عن القيامة ، فهي حاقّة بمعنى أن عذابها حق الكافرين ، ونعيمها حق للمؤمنين ، وحسابها حقّ ليتميز الخبيث من الطيب .
ما الحاقّة . استفهام للتعظيم والاستهوال ، أي من حقها أن يستفهم عنها لعظم أهوالها .
أي شيء أعلمك بها أيها الرسول ؟ فهي خارجة عن دائرة علم المخلوقين لعظم شأنها وشدة هولها .
إنها سورة تستولي على النفس بجرسها وفواصلها ، وتتابع معانيها ، في قصم الجبّارين ، ووصف القيامة ، وما فيها من عذاب للمجرمين ونعيم للمؤمنين .
وقد ذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده في الصلاة قد بدأ سورة الحاقة ، فاستولت السورة على نفسه ، وأخذ بجلال القرآن وعظمته وبلاغته وبيانه وتتابع معانيه ، وأعلن إسلامه .
سورة الحاقة مكية وآياتها ثنتان وخمسون ، نزلت بعد سورة الملك . وقد بدأت بعرض اسم القيامة باسم الحاقة ، الذي به سميت السورة { الحاقة } . والحاقة الساعة والقيامة ، سميت كذلك لأنها تحق كل إنسان من خير أو شر ، وفيها حواقّ الأمور والثواب .
ثم عرضت السورة عرضا سريعا لما أصاب بعض الأمم السابقة من الهلاك والأخذ الشديد حين كذّبوا ، كقوم ثمود وعاد وفرعون ونوح ومن قبله ، والمؤتفكات . . .
ثم تحدثت عن يوم القيامة إذا نفخ في الصور ، وما يصيب الأرض والجبال والسماء من التغيير والزوال . وفي ذلك اليوم تقف الملائكة تنتظر أوامر الله والعرش ممدود ، ويُعرض الناس أمام الله ، لا تخفى منهم خافيه .
في ذلك اليوم يظهر السعيد فيؤخذ كتابه بيمينه ويذهب إلى الجنة ، والشقي يتلقى كتابه بشماله ، ويصيح ويندب حظه { يا ليتني لم أوت كتابيه ، ولم أدر ما حسابيه } ويذهب مغلولا مذموما إلى الجحيم ، { فليس له اليوم ها هنا حميم } ولا ناصر ولا معين .
ثم يأتي القسم العظيم { فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون ، إنه لقول رسول كريم } بأن القرآن الكريم من عند الله ، على لسان رسول كريم رفيع القدر والمكانة ، { وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون } . . إنه كلام الله العظيم ، { تنزيل من رب العالمين } ولا يمكن لهذا الرسول الكريم أن يختلق من عنده شيئا وهو الأمين كما تعلمون .
ثم تختم السورة الكريمة بالقول الفصل عن هذا الأمر الخطير ، وبتمجيد القرآن الكريم : { وإنه لتذكرة للمتقين . وإنا لنعلم أن منكم مكذبين ، وإنه لحسرة على العالمين ، وإنه لحق اليقين . فسبح باسم ربك العظيم } .
الحاقة : القيامة ، قال في لسان العرب : سُميت حاقة لأنها تحُق ( بضم الحاء ) كل إنسان من خير أو شر .
{ 1 - 8 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ * فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ }
{ الْحَاقَّةُ } من أسماء يوم القيامة ، لأنها تحق وتنزل بالخلق ، وتظهر فيها حقائق الأمور ، ومخبآت الصدور .
مكية في قول الجميع ، وهي إحدى وخمسون آية
روى أبو الزاهرية عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ إحدى عشرة آية من سورة الحاقة أجير من فتنة الدجال . ومن قرأها كانت له نورا يوم القيامة من فوق رأسه إلى قدمه ) .
قوله تعالى : " الحاقة . ما الحاقة " يريد القيامة ، سميت بذلك لأن الأمور تُحَقّ فيها ، قاله الطبري . كأنه جعلها من باب " ليل نائم " . وقيل : سميت حاقة لأنها تكون من غير شك . وقيل : سميت بذلك لأنها أحقت لأقوام الجنة ، وأحقت لأقوام النار . وقيل : سميت بذلك لأن فيها يصير كل إنسان حقيقا بجزاء عمله . وقال الأزهري : يقال حاققته فحَقَقْتُه أحقه ، أي غالبته فغلبته . فالقيامة حاقة ؛ لأنها تحق كل محاقٍّ في دين الله بالباطل ، أي كل مخاصم . وفي الصحاح : وحاقّه أي خاصمه وادعى كل واحد منهما الحق ، فإذا غلبه قيل حقه . ويقال للرجل إذا خاصم في صغار الأشياء : إنه لنَزِق الحِقَاق . ويقال : مال فيه حٌّق ولا حِقَاق ، أي خصومة . والتّحّاقّ التخاصم . والاحتقاق : الاختصام . والحاقة والحقة والحق ثلاث لغات بمعنى . وقال الكسائي والمورج : الحاقة يوم الحق . وتقول العرب : لما عرف الحَقّة مني هرب . والحاقة الأولى رفع بالابتداء ، والخبر المبتدأ الثاني وخبره وهو " ما الحاقة " لأن معناها ما هي . واللفظ استفهام ، معناه التعظيم والتفخيم لشأنها ، كما تقول : زيد ما زيد على التعظيم لشأنه .
سورة الحاقة{[1]}
مقصودها تنزيه الخالق ببعث الخلائق لإحقاق الحق وإزهاق الباطل بالكشف التام لشمول العلم {[2]}للكليات والجزئيات{[3]} ، وكمال القدرة{[4]} علىالعلويات{[5]} والسفليات ، وإظهار العدل بين سائر المخلوقات ، ليميز المسلم من المجرم بالملذذ والمؤلم{[6]} ، وتسميتها بالحاقة في غاية الوضوح في ذلك وهو أدل ما فيها عليه ( بسم الله ) الذي له الكمال كله نزاهة وحمدا ( الرحمن ) الذي عم جوده{[7]} بالعدل كبرا ومجدا ( الرحيم ) الذي خص أهل وده بالوقوف عند حدوده لينالوا بطيب جواره{[8]} علوا وجدا {[9]}وفوزا بالأماني وسعدا{[10]} .
لما قدم سبحانه في " نون " الإنكار الشديد لأن{[67830]} يسوي المسيء بالمحسن ، وذكر القيامة وبينها بيوم كشف الساق وزيادة المشاق ، وهدد التهديد العظيم بآية الاستدراج الذي لا يدفع بعلاج ، وختم بأن القرآن ذكر - أي شرف - وتذكير ، ومواعظ للعالمين في شمولهم كلهم برحمته ، أما من بعد{[67831]} إنزاله فبوعيده ووعده ووعظه وقصه وأمره ونهيه ، وأما من قبل إنزاله فبالشهادة {[67832]}لهم وعليهم{[67833]} ، وكان تأويل ذلك وجميع آثاره إنما يظهر ظهوراً تاماً يوم الجمع الأكبر ، وكان ذلك اليوم أعظم مذكر للعالمين وواعظ{[67834]} لهم وزاجر ، تنبني جميع الخيرات على تذكره{[67835]} وتذكر العرض على الملك الديان ، والسر في إنزال القرآن هو التذكير بذلك اليوم الذي هو نظام الوجود ، قال واصفاً للقيامة واليوم الذي يكشف فيه عن ساق ، واعظاً بذكرها ومحذراً من أمرها : { الحاقة * } أي{[67836]} الساعة التي يكذب بها هؤلاء وهي{[67837]} أثبت الأشياء وأجلاها فلا كاذبة لها ولا لشيء عنها ، فلا بد من حقوقها فهي ثابتة في نفسها ، ومن إحضار الأمور فيها بحقائقها ، والمجازاة عليها بالحق الذي لا مرية {[67838]}فيه لأحد{[67839]} من الخلق ، فهي فاعلة بمعنى مفعول فيها ، وهي فاعلة أيضاً لأنها غالبة لكل خصم ، من حاققته فحققته {[67840]}أحقه أي{[67841]} غالبته في الحق فغلبته فيه ، فهي تحق الحق ولا بد فتعلو الباطل فتدمغه وتزهقه فتحق العذاب للمجرمين والثواب للمسلمين ، وكل ما فيها داثر على الثبات والبيان ، لأن ذلك مقتضى الحكمة{[67842]} ولا يرضى لأحد من الحكام ترك رعيته بغير إنصاف بينهم على زعمه فكيف بالحكيم العليم ، وقصة صاحب الحوت عليه السلام أدل دليل على القدرة عليها .
هذه السورة مكية وآياتها إحدى وخمسون . وهي مبدوءة بذكر الحاقّة ، وهي القيامة ، إذ يتحقق فيها وعد الله ووعيده . وقد نبه الله إلى عظيم قدر الحاقة ليخشى الناس مما يستقبلهم من الأحداث العظام والنوازل المخوفة الجسام .
وفي السورة يقص الله علينا عن قوم ثمود وعاد . وهما أمتان ضالتان من الناس أخذهما الله بانتقامه الشديد جزاء عصيانهما وعتوهما وفسادهما في الأرض .
وفي السورة إخبار عن زلازل القيامة وأهوالها الشداد ، وما يأتي على الكون فيها من شديد البلايا . والناس يوم القيامة صنفان مفترقان متباينان . فصنف ناج وسعيد يؤتى كتابه بيمينه ليعلم أنه من أهل السعادة . وصنف هالك خاسر يؤتى كتابه بشماله ليعلم أنه في الأذلين وأنه صائر إلى الجحيم والخسران المبين .
ويقسم الله في هذه السورة بآياته في الكون على أن القرآن حق وصدق وأنه تنزيل من رب العالمين فما هو بشعر ولا كهانة . إلى غير ذلك من الآيات والمعاني .
{ الحاقّة1 ما الحاقّة 2 وما أدراك ما الحاقة 3 كذّبت ثمود وعاد بالقارعة 4 فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية 5 وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية 6 سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية 7 فهل ترى لهم من باقية 8 وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة 9 فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية 10 إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية 11 لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية } .