تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (34)

{ واذكرن ما يتلى في بيوتكن من ءايات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا } .

المفردات :

آيات الله : القرآن الجامع لكونه آيات الله .

الحكمة : السنة .

لطيفا : اللطف من الله الرفق والتوفيق والعصمة .

خبيرا : عالما بدقائق الأمور .

التفسير :

تذكرن أنكن في بيت النبوة حيث يهبط الوحي ويعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامكن من برحاء الوحي ، وهذه قدوة عملية للسنة العملية والقولية فتذكرن ذلك وبلغنه للمسلمين حتى يعم ذلك الخير للمسلمين أجمعين وهي حكمة إلهية عليا إذ جعل زوجاته وسيلة لإبلاغ المسلمات والمسلمين أحكام الشريعة وما نزل من الوحي فهو سبحانه لطيف بعباده خبير بأعمالهم .

قال ابن العربي : في هذه الآية مسألة بديعة وهي أن الله تعالى أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بتبليغ ما أنزل عليه من القرآن وتعليم ما علمه من الدين ، فكان إذا قرأه على واحد أو ما اتفق سقط عنه الفرض ، وكان على من سمعه أن يبلغه إلى غيره ، ولا يلزمه أن يذكره لجميع الصحابة ولا كان عليه إذا علم ذلك أزواجه أن يخرج إلى الناس فيقول لهم : نزل كذا ولا كان كذا ولا يلزم أن يبلغ ذلك الرجال . 34

***

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (34)

فيه ثلاث مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة " هذه الألفاظ تعطي أن أهل البيت نساؤه . وقد اختلف أهل العلم في أهل البيت ، من هم ؟ فقال عطاء وعكرمة وابن عباس : هم زوجاته خاصة ، لا رجل معهن . وذهبوا إلى أن البيت أريد به مسكن النبي صلى الله عليه وسلم ، لقوله تعالى : " واذكرن ما يتلى في بيوتكن " . وقالت فرقة منهم الكلبي : هم علي وفاطمة والحسن والحسين خاصة ، وفي هذا أحاديث . عن النبي عليه السلام ، واحتجوا بقوله تعالى : " ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم " بالميم ولو كان للنساء خاصة لكان " عنكن ويطهركن " ، إلا أنه يحتمل أن يكون خرج على لفظ الأهل ، كما يقول الرجل لصاحبه : كيف أهلك ، أي امرأتك ونساؤك ، فيقول : هم بخير ، قال الله تعالى : " قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت " {[12819]} [ هود : 73 ] . والذي يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهم . وإنما قال : " ويطهركم " لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليا وحسنا وحسينا كان فيهم ، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر ، فاقتضت الآية أن الزوجات من أهل البيت ؛ لأن الآية فيهن ، والمخاطبة لهن يدل عليه سياق الكلام . والله أعلم . أما أن أم سلمة قالت : نزلت هذه الآية في بيتي ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسنا ، فدخل معهم تحت كساء خيبري وقال : ( هؤلاء أهل بيتي ) - وقرأ الآية - وقال : ( اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) فقالت أم سلمة : وأنا معهم يا رسول الله ؟ قال : ( أنت على مكانك وأنت على خير ) أخرجه الترمذي وغيره وقال : هذا حديث غريب . وقال القشيري : وقالت أم سلمة أدخلت رأسي في الكساء وقلت : أنا منهم يا رسول الله ؟ قال : ( نعم ) . وقال الثعالبي : هم بنو هاشم ، فهذا يدل على أن البيت يراد به بيت النسب ، فيكون العباس وأعمامه وبنو أعمامه منهم . وروي نحوه عن زيد بن أرقم رضي الله عنهم أجمعين . وعلى قول الكلبي يكون قوله : " واذكرن " ابتداء مخاطبة الله تعالى ، أي مخاطبة أمر الله عز وجل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، على جهة الموعظة وتعديد النعمة بذكر ما يتلى في بيوتهن من آيات الله تعالى والحكمة . قال أهل العلم بالتأويل : " آيات الله " القرآن . " والحكمة " السنة . والصحيح أن قوله : " واذكرن " منسوق على ما قبله . وقال " عنكم " لقوله " أهل " فالأهل مذكر ، فسماهن وإن كن إناثا باسم التذكير فلذلك صار " عنكم " . ولا اعتبار بقول الكلبي وأشباهه ، فإنه توجد له أشياء في هذا التفسير ما لو كان في زمن السلف الصالح لمنعوه من ذلك وحجروا عليه . فالآيات كلها من قوله : " يا أيها النبي قل لأزواجك - إلى قوله - إن الله كان لطيفا خبيرا " منسوق بعضها على بعض ، فكيف صار في الوسط كلاما منفصلا لغيرهن ، وإنما هذا شيء جرى في الأخبار أن النبي عليه السلام لما نزلت عليه هذه الآية دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين ، فعمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى كساء فلفها عليهم ، ثم ألوى بيده إلى السماء فقال : ( اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) . فهذه دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم لهم بعد نزول الآية ، أحب أن يدخلهم في الآية التي خوطب بها الأزواج ، فذهب الكلبي ومن وافقه فصيرها لهم خاصة ، وهي دعوة لهم خارجة من التنزيل .

الثانية- لفظ الذكر يحتمل ثلاثة معان : أحدها : أي اذكرن موضع النعمة ، إذ صيركن الله في بيوت تتلى فيها آيات الله والحكمة . الثاني : اذكرن آيات الله واقدرن ، قدرها ، وفكرن فيها حتى تكون منكن على بال لتتعظن بمواعظ الله تعالى ، ومن كان هذا حال ينبغي أن تحسن أفعاله . الثالث : " اذكرن " بمعنى احفظن واقرأن والزمنه الألسنة ، فكأنه يقول : احفظن أوامر الله تعالى ، ونواهيه ، وذلك هو الذي يتلى في بيوتكن من آيات الله . فأمر الله سبحانه وتعالى أن يخبرن بما ينزل من القرآن في بيوتهن ، وما يرين من أفعال النبي عليه الصلاة والسلام ، ويسمعن من أقواله حتى يبلغن ذلك إلى الناس ، فيعملوا ويقتدوا . وهذا يدل على جواز قبول خبر الواحد من الرجال والنساء في الدين .

الثالثة- قال ابن العربي : في هذه الآية مسألة بديعة ، وهي أن الله تعالى أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بتبليغ ما أنزل عليه من القرآن ، وتعليم ما علمه من الدين ، فكان إذا قرأ على واحد أو ما اتفق سقط عنه الفرض ، وكان على من سمعه أن يبلغه إلى غيره ، ولا يلزمه أن يذكره لجميع أصحابة ، ولا كان عليه إذا علم ذلك أزواجه أن يخرج إلى الناس فيقول لهم نزل كذا ولا كان كذا ، ولهذا قلنا : يجوز العمل بخبر بسرة{[12820]} في إيجاب الوضوء من مس الذكر ، لأنها روت ما سمعت وبلغت ما وعت . ولا يلزم أن يبلغ ذلك الرجال ، كما قال أبو حنيفة ، على أنه قد نقل عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر .


[12819]:راجع ج 9 ص 70.
[12820]:هي بسرة بنت صفوان بن نوفل، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (34)

ولما ذكر ذلك إلى أن ختم بالتطهير ، أتبعه التذكير بما أنعم سبحانه به مما أثره التطهير من التأهيل لمشاهدة{[55558]} ما يتكرر من تردد{[55559]} الملائكة بنزول الوحي الذي هو السبب في كل طهر ظاهر وباطن ، فقال مخصصاً من{[55560]} السياق لأجلهن رضي الله عنهن ، منبهاً لهن على أن بيوتهن مهابط الوحي ومعادن الأسرار : { واذكرن } أي في أنفسكن ذكراً دائماً ، واذكرنه لغيركن على جهة الوعظ والتعليم .

ولما كانت العناية بالمتلو ، بينها بإسناد الفعل إليه لبيان أنه عمدة الجملة فقال بانياً للمفعول : { ما يتلى } أي يتابع ويوالي ذكره والتخلق به ، وأشار لهن إلى ما خصهن منه من الشرف فقال : { في بيوتكن } أي بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم الذي خيركن { من آيات الله } الذي{[55561]} لا أعظم منه .

ولما كان المراد بذلك القرآن ، عطف عليه ما هو أعم منه ، فقال{[55562]} مبيناً لشدة الاهتمام به بإدخاله في جملة المتلو اعتماداً على أن العامل فيه معروف لأن{[55563]} التلاوة لا يقال في غير الكتاب : { والحكمة } أي ويبث وينشر من العلم المزين بالعمل والعمل المتقن بالعلم ، ولا تنسين شيئاً من ذلك .

ولما كان السياق للإعراض عن الدنيا ، وكانت{[55564]} الحكمة منفرة عنها ، أشار بختام الآية إلى أنها مع كونها محصلة لفوز الأخرى جالبة لخير الدنيا ، فقال مؤكداً ردعاً لمن يشك في أن الرفعة يوصل إليها بضدها ونحو ذلك مما تضمنه الخبر من جليل العبر : { إن الله } أي الذي له جميع العظمة { كان } أي لم يزل { لطيفاً } أي يوصل إلى المقاصد بوسائل الأضداد { خبيراً } أي يدق علمه عن إدراك الأفكار ، فهو يجعل الإعراض عن الدنيا جالباً لها{[55565]} على أجمل الطرائق وأكمل الخلائق وإن رغمت أنوف جميع الخلائق ، ويعلم من يصلح لبيت النبي صلى الله عليه وسلم ومن لا يصلح{[55566]} ، وما يصلح الناس دنيا وديناً وما لا يصلحهم ، والطرق الموصلة إلى كل ما قضاه وقدره وإن كانت على غير ما يألفه الناس " من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة {[55567]}ورزقه{[55568]} من حيث لا يحتسب " رواه الطبراني في الصغير وابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن عمران بن حصين رضي الله عنه " من توكل على الله كفاه ، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها " - رواه صاحب الفردوس وأبو الشيخ ابن حيان في كتاب الثواب عن عمران رضي الله عنه أيضاً ، ولقد صدق الله سبحانه وعده في لطفه وحقق بره في خبره بأن فتح على نبيه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك خيبر ، فأفاض بها ما شاء من{[55569]} رزقه الواسع ، ثم لما توفي نبيه صلى الله عليه وسلم ليحميه من زهرة الحياة الدنيا فتح الفتوحات الكبار من بلاد فارس والروم ومصر وما بقي من اليمن ، فعم الفتح جميع الأقطار{[55570]} : الشرق والغرب والجنوب والشمال ، ومكن أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم من كنوز جميع تلك البلاد وذخائر أولئك الملوك حتى صار الصحابة رضوان الله عليهم يكيلون المال كيلاً ، وزاد الأمر حتى دون عمر الدواوين وفرض للناس عامة{[55571]} أرزاقهم حتى للرضعاء ، وكان أولاً لا يفرض للمولود حتى يفطم ، فكانوا يستعجلون بالفطام فنادى مناديه : لا تعجلوا أولادكم بالفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام ، وفاوت بين الناس في العطاء بحسب القرب من النبي صلى الله عليه وسلم والبعد منه ، وبحسب السابقة{[55572]} في الإسلام والهجرة ، ونزّل الناس منازلهم {[55573]}بحيث أرضى{[55574]} جميع الناس حتى قدم عليه خالد بن عرفطة فسأله عما وراءه فقال : تركتهم يسألون الله لك أن يزيد في عمرك من أعمارهم ، فقال{[55575]} عمر رضي الله عنه : إنما هو حقهم وأنا أسعد بأدائه إليهم ، لو كان من مال الخطاب ما أعطيتموه ، ولكن قد علمت أن فيه فضلاً ، فلو أنه إذا خرج عطاء أحدهم ابتاع منه غنماً ، فجعلها بسوادكم ، فإذا خرج عطاؤه ثانية{[55576]} ابتاع الرأس والرأسين فجعله فيها ، فإن بقي أحد من ولده كان لهم شيء قد اعتقدوه ، فإني لا أدري ما يكون بعدي ، وإني لأعم بنصيحتي كل من طوقني الله أمره ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

" من مات غاشاً لرعيته لم يرح ريح الجنة{[55577]} " ، فكان فرضه لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر ألفاً لكل واحدة وهي نحو ألف دينار في كل سنة ، وأعطى عائشة رضي الله عنها خمسة{[55578]} وعشرين ألفاً لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها ، فأبت أن تأخذ إلا ما يأخذه صواحباتها ، وروى عن برزة بنت رافع قالت : لما خرج العطاء أرسل عمر رضي الله عنه إلى زينب بنت جحش رضي الله عنها بالذي لها فلما أدخل إليها قالت : غفر الله لعمر ! غيري{[55579]} من أخواتي أقوى على قسم هذا مني ، قالوا : هذا كله لك {[55580]}يا أم المؤمنين{[55581]} ، قالت : سبحان الله ! واستترت منه بثوب ، ثم قالت : صبوه واطرحوا عليه ثوباً ، ثم قالت لي : {[55582]}ادخلي يديك{[55583]} واقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى بني فلان وبني فلان من ذوي رحمها وأيتام لها ، فقسمته حتى بقيت منه بقية تحت الثوب ، قالت برزة بنت رافع : فقلت : غفر الله لك يا أم{[55584]} المؤمنين ، والله لقد كان لنا في هذا المال حق ، قالت : فلكم ما تحت الثوب ، فوجدنا تحته خمسمائة وثمانين درهماً ، ثم رفعت يدها إلى السماء فقالت : اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا ، فماتت - ذكر ذلك البلاذري في كتاب فتوح البلاد .


[55558]:من ظ ومد، وفي الأصل: بمشاهدة.
[55559]:من ظ ومد، وفي الأصل: ترداد.
[55560]:زيد من ظ ومد.
[55561]:سقط من ظ.
[55562]:تأخر في الأصل عن "غير الكتاب"، والترتيب من ظ ومد.
[55563]:من ظ ومد، وفي الأصل: وأن.
[55564]:من ظ ومد، وفي الأصل: كان.
[55565]:زيد من ظ ومد.
[55566]:سقط من ظ ومد.
[55567]:تكرر في ظ ومد.
[55568]:تكرر في ظ ومد.
[55569]:زيد في ظ: بها.
[55570]:زيدت الواو في الأصل، ولم تكن في ظ ومد فحذفناها.
[55571]:زيد من ظ ومد.
[55572]:من ظ ومد، وفي الأصل: المسابقة.
[55573]:من ظ ومد، وفي الأصل: بحسب أراضي.
[55574]:من ظ ومد، وفي الأصل: بحسب أراضي.
[55575]:في ظ ومد: قال.
[55576]:من ظ ومد، وفي الأصل: ثانيا.
[55577]:أخرجه نحوه الإمام أحمد في مسنده 5/25 عن معقل بن يسار.
[55578]:من ظ ومد، وفي الأصل: خمسا.
[55579]:من ظ ومد، وفي الأصل: عرني ـ كذا.
[55580]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[55581]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[55582]:من ظ ومد، وفي الأصل: أدخل.
[55583]:من ظ ومد، وفي الأصل: أدخل.
[55584]:من ظ ومد، وفي الأصل: أمير.