تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ} (18)

15

{ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما ءامنين } .

المفردات :

القرى التي باركنا فيها : هي قرى الشام مبارك فيها بكثرة أشجارها ووفرة ثمارها والتوسعة على أهلها .

قرى ظاهرة : متواصلة من اليمن إلى الشام .

وقدرنا فيها السير : جعلنا المسافات بينها مقدرة على أبعاد قريبة بحيث يسهلا التنقل بينها .

التفسير :

تأتي هذه الآية كالتعقيب على قصة سبأ فقد ذكر فيما سبق أن الله أنعم عليهم بالجنان والبساتين والنعم المتعددة لكنهم كفروا وجحدوا فاستحقوا العقوبة .

وأردف ذلك بذكر نوع آخر من النعم التي أنعم الله بها عليهم وهي نعمة القرى المتتابعة المرتفعة الظاهرة على الطريق الموصل بين اليمن والشام قيل من سافر من قرية صباحا وصل إلى الأخرى وقت الظهر والقيلولة ومن سار من قرية بعد الظهر وصل على الأخرى بعد الغروب إلى أن يبلغ الشام لا يخاف جوعا ولا عطشا ولا عدوا ولا يحتاج لحمل زاد ، ولا مبيت في أرض خالية .

وقوله تعالى : سيروا فيها ليالي وأياما ءامنين : على إرادة القول بمعنى أبحناها وقلنا لهم سيروا فيها حيث شئتم وكيف شئتم ليالي وأياما آمنين لا تحسون مشقة ولا تستشعرون جوعا ولا عطشا ولا ترهبون عدوا .

وهذا القول إما بلسان الحال بمعنى أن وضع القرى وتأمين السير فيها واقترابها من بعضها كأنه يقول للسائر سر آمنا مطمئنا وإما بلسان المقال أي قال أنبياؤهم ومرشدهم سيروا فيها آمنين مطمئنين وإن تطاولت مدة سفركم وامتدت أياما وليالي كثيرة .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ} (18)

قوله تعالى : " وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة " قال الحسن : يعني بين اليمن والشأم . والقرى التي بورك فيها : الشام والأردن وفلسطين . والبركة : قيل إنها كانت أربعة آلاف وسبعمائة قرية بورك فيها بالشجر والثمر والماء . ويحتمل أن يكون " باركنا فيها " بكثرة العدد . " قرى ظاهرة " قال ابن عباس : يريد بين المدينة والشام . وقال قتادة : معنى " ظاهرة " : متصلة على طريق ، يغدون فيقيلون في قرية ويروحون فيبيتون في قرية . وقيل : كان على كل ميل قرية بسوق ، وهو سبب أمن الطريق . قال الحسن : كانت المرأة تخرج معها مغزلها وعلى رأسها مكتلها ثم تلتهي بمغزلها فلا تأتي بيتها حتى يمتلئ مكتلها من كل الثمار ، فكان ما بين الشام واليمن كذلك . وقيل " ظاهرة " أي مرتفعة ، قال المبرد . وقيل : إنما قيل لها " ظاهرة " لظهورها ، أي إذا خرجت عن هذه ظهرت لك الأخرى ، فكانت قرى ظاهرة أي معروفة ، يقال : هذا أمر ظاهر أي معروف . " وقدرنا فيها السير " أي جعلنا السير بين قراهم وبين القرى التي باركنا فيها سيرا مقدرا من منزل إلى منزل ، ومن قرية إلى قرية ، أي جعلنا بين كل قريتين نصف يوم حتى يكون المقيل في قرية والمبيت في قرية أخرى . وإنما يبالغ الإنسان في السير لعدم الزاد والهاء ولخوف الطريق ، فإذا وجد الزاد والأمن لم يحمل على نفسه المشقة ونزل أينما أراد . " سيروا فيها " أي وقلنا لهم سيروا فيها ، أي في هذه المسافة فهو أمر تمكين ، أي كانوا يسيرون فيها إلى مقاصدهم إذا أرادوا آمنين ، فهو أمر بمعنى الخبر ، وفيه إضمار القول . " ليالي وأياما آمنين " ظرفان " آمنين " نصب على الحال . وقال : " ليالي وأياما " بلفظ النكرة تنبيها على قصر أسفارهم ، أي كانوا لا يحتاجون إلى طول السفر لوجود ما يحتاجون إليه . قال قتادة : كانوا يسيرون غير خائفين ولا جياع ولا ظلماء ، وكانوا يسيرون مسيرة أربعة أشهر في أمان لا يحرك بعضهم بعضا ، ولو لقي الرجل قاتل أبيه لا يحركه .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ} (18)

ولما أتم الخبر عن الجنان التي بها القوام نعمة ونقمة ، أتبعه مواضعه السكان فقال : { وجعلنا } أي بما لنا من العظمة ، ونبه بنزع الجار على عمارة جميع تلك الأراضي{[56722]} بالبناء والانتفاع فقال : { بينهم } أي بين قرى أهل سبأ { وبين القرى } اي مدناً كانت أو دونها { التي باركنا } أي بركة اعتنينا بها اعتناء من يناظر آخر بغاية العظمة { فيها } أي بأن جعلناها محال العلم والرزق بالأنبياء وأصفياء الأولياء وهي بلاد الشام { قرى ظاهرة } أي {[56723]}من أرض الشام{[56724]} في أشراف الأرض وما صلب منها و{[56725]} علا ، لأن البناء فيها{[56726]} أثبت ، والمشي بها أسهل ، والابتهاج برؤية جميع الجنان وما فيها من النضرة منها أمكن . فهي ظاهرة للعيون بين تلك الجنان ، كأنها الكواكب الحسان{[56727]} ، مع تقاربها بحيث يرى بعضها من بعض وكثرة المال{[56728]} بها والمفاخر والنفع {[56729]}والمعونة{[56730]} للمارة ؛ قال البغوي{[56731]} : كانت أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة من سبأ إلى الشام .

ولما كانت مع هذا الوصف ربما كان فيها عسر على المسافر لعدم الموافقة في المقيل والمبيت ، أزال هذا بقوله : { وقدرنا فيها السير } أي جعلناه على مقادير هي في غاية الرفق بالمسافر في نزوله متى أراد من ليل أو نهار على ما جرت به عوائد السفار ، فهي لذلك حقيقة بأن يقال لأهلها{[56732]} والنازلين بها على سبيل الامتنان : { سيروا } والدليل على تقاربها جداً قوله : { فيها } ودل على كثرتها وطول مسافتها وصلاحيتها للسير{[56733]} أيّ وقت أريد ، مقدماً لما هو أدل على الأمن وأعدل للسير في البلاد الحارة بقوله : { ليالي } وأشار إلى كثرة الظلال والرطوبة والاعتدال الذي يمكن معه السير في جميع النهار بقوله : { وأياماً } أي في أي وقت شئتم ، {[56734]}ودل{[56735]} على عظيم أمانها في كل وقت بالنسبة إلى كل ملم{[56736]} بقوله : { آمنين * } أي من خوف وتعب ، أو ضيعة أو عطش أو سغب .


[56722]:في ظ: الأرض.
[56723]:وقع ما بين الرقمين في الأصل وم قبل "بأن جعلناها" والترتيب من ظ ومد.
[56724]:وقع ما بين الرقمين في الأصل وم قبل "بأن جعلناها" والترتيب من ظ ومد.
[56725]:في ظ: ما.
[56726]:في ظ وم ومد: بها.
[56727]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الحساب.
[56728]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الماء.
[56729]:من م ومد، وفي الأصل وظ: للمعونة.
[56730]:من م ومد، وفي الأصل وظ: للمعونة.
[56731]:في معالم التنزيل بهامش اللباب 5/238.
[56732]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لأنها.
[56733]:سقط من ظ.
[56734]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[56735]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[56736]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مسلم.