تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{مَّا خَلۡقُكُمۡ وَلَا بَعۡثُكُمۡ إِلَّا كَنَفۡسٖ وَٰحِدَةٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ} (28)

{ ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير }

التفسير :

قدرة الله لا حدود لها فهو على كل شيء قدير وخلق الخلائق جميعا من أول آدم إلى قيام الساعة هين على الله تعالى كخلق نفس واحدة وبعث جميع الخلائق وإخراجهم من قبورهم وإعادة الحياة إليهم للحساب والجزاء هين على الله تعالى كبعث نفس واحدة لأن الله تعالى على كل شيء قدير فهو يصدر الأمر مرة واحدة لا يكرره .

قال تعالى : إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون . ( يس : 82 ) .

وقال تعالى : وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم . ( الروم : 27 ) .

قال ابن كثير :

أي : ما خلق جميع الناس وبعثهم يوم الميعاد بالنسبة على قدرته إلا كنسبة خلق نفس واحدة الجميع هين عليه . قال تعالى : وما أمرنا إلا واجدة كلمح البصر . ( القمر : 50 ) .

أي : لا يأمر بالشيء إلا مرة واحدة فيكون ذلك الشيء لا يحتاج إلى تكراره وتوكيده .

{ إن الله سميع بصير }

أي كما هو سميع لأقوالهم بصير بأفعالهم كسمعه وبصره بالنسبة إلى نفس واحدة كذلك قدرته عليهم كقدرته على نفس واحدة .

ولهذا قال تعالى : ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير .

***

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{مَّا خَلۡقُكُمۡ وَلَا بَعۡثُكُمۡ إِلَّا كَنَفۡسٖ وَٰحِدَةٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ} (28)

قوله تعالى : " ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " قال الضحاك : المعنى ما ابتداء خلقكم جميعا إلا كخلق نفس واحدة ، وما بعثكم يوم القيامة إلا كبعث نفس واحدة . قال النحاس : وهكذا قدره النحويون بمعنى إلا كخلق نفس واحدة ، مثل : " واسأل القرية " {[12621]} [ يوسف : 82 ] . وقال مجاهد : لأنه يقول للقليل والكثير كن فيكون . ونزلت الآية في أبي بن خلف وأبي الأسدين{[12622]} ومنبِّه ونبيه ابني الحجاج بن السباق ، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى قد خلقنا أطوارا ، نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ، ثم تقول إنا نبعث خلقا جديدا جميعا في ساعة واحدة ! فأنزل الله تعالى : " ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " ، لأن الله تعالى لا يصعب عليه ما يصعب على العباد ، وخلقه للعالم كخلقه لنفس واحدة . " إن الله سميع " لما يقولون " بصير " بما يفعلون .


[12621]:راجع ج 9 ص 245 فما بعد.
[12622]:كذا في نسخ الأصل. وفي روح المعاني:" وأبي الأسود".
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{مَّا خَلۡقُكُمۡ وَلَا بَعۡثُكُمۡ إِلَّا كَنَفۡسٖ وَٰحِدَةٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ} (28)

{ ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } بيان لقدرة الله على بعث الناس ورد على من استبعد ذلك .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{مَّا خَلۡقُكُمۡ وَلَا بَعۡثُكُمۡ إِلَّا كَنَفۡسٖ وَٰحِدَةٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ} (28)

ولما ختم بهاتين الصفتين بعد إثبات القدرة على الإبداع من غير انتهاء ، ذكر بعض آثارهما{[54180]} في البعث الذي تقدم أول السورة وأثناءها ذكره إلى{[54181]} أن حذرهم به في قوله " إلينا مرجعهم " فقال : { ما خلقكم } أي كلكم في عزته وحكمته إلا كخلق{[54182]} نفس واحدة ، وأعاد النافي نصاًَ على كل واحد من الخلق والبعث على حدته فقال : { ولا بعثكم } كلكم { إلا كنفس } أي كبعث نفس{[54183]} ، وبين الأفراد تحقيقاً للمراد ، وتأكيداً للسهولة فقال : { واحدة } فإن كلماته مع كونها غير نافدة نافذة{[54184]} ، وقدرته مع كونها باقية بالغة ، فنسبه القليل والكثير إلى قدرته على حد سواء ، لأنه لا يشغله شأن عن شأن ، ثم دل على ذلك بقوله مؤكداً لأن تكذيبهم لرسوله وردهم لما شرفهم به يتضمن الإنكار لأن يكونوا{[54185]} بمرأى منه ومسمع : { إن الله } أي الملك الأعلى الذي له الإحاطة الشاملة { سميع }

أي بالغ السمع يسمع كل ما يمكن سمعه من المعاني في {[54186]}آن واحد{[54187]} لا يشغله شيء منها عن غيره { بصير* } بليغ البصر يبصر كذلك كل ما يمكن أن يرى من الأعيان والمعاني ، ومن كان كذلك كان محيط العلم بالغه{[54188]} شامل القدرة تامها ، فهو يبصر جميع الأجزاء من كل ميت ، ويسمع كل ما يسمع من معانيه ، فهو بإحاطة علمه وشمول قدرته يجمع تلك الأجزاء ، ويميز بعضها من بعض ، ويودعها تلك المعاني ، فإذا هي أنفس قائمة كما كانت أول مرة في أسرع من لمح البصر .


[54180]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: آثارها.
[54181]:سقط من ظ ومد.
[54182]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: خلق، والعبارة من بعده إلى "على حدته فقال" ساقطة من م.
[54183]:زيد في الأصل: واحدة، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[54184]:سقط من ظ.
[54185]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: يكون.
[54186]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أرواحه.
[54187]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أرواحه.
[54188]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالغ.