56 ، 57- { لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم * فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم } .
أهل الجنة في شباب دائم ، وصحة دائمة ، لا يدركهم النوم ولا الموت ، بل هم خالدون في الجنة بفضل الله ونعمائه ، لقد ماتوا في الدنيا عن شهواتهم وملذاتهم ، وصاموا عن المحرمات ، والتزموا مرضات الله ، وسَمَتْ أرواحهم لأن تكون من أهل الجنة ، وقد أدركهم الموت في الدنيا مرة واحدة ، فإذا دخلوا الجنة فهم في نعيم دائم ، وخلود بلا موت لا يخرجون من الجنة ولا يموتون ، وقد حفظهم الله من عذاب الجحيم ، فضلا من الله ونعمة ، إن هذا يحصل عليه أهل الجنة هو الفوز العظيم ، وأي فوز أعظم من نعيم الجنة والوقاية من عذاب النار .
أخرج الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يقال لأهل الجنة : إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا ، وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا ، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا )11 .
وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يؤتى بالموت في صورة كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، ثم يذبح ، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت )12 .
إن هذا النعيم فضل من الله ونعمة ، وثواب ومنحة ، وهو فوز عظيم لأهل الجنة ، وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لن يدخل أحدكم الجنة عمله ) ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ( ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمته )13 .
قوله تعالى : " لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى " أي لا يذوقون فيها الموت البتة ؛ لأنهم خالدون فيها . ثم قال : " إلا الموتة الأولى " على الاستثناء المنقطع ، أي لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا . وأنشد سيبويه :
من كان أسرعَ في تفرُّق فالج *** فلَبُونُه جَرِبَتْ معًا وأغدَّتِ{[13766]}
ثم استثنى بما ليس من الأول فقال :
إلا كناشرةَ الذي ضيعتُمُ *** كالغصن في غُلَوائه المتنبِّتِ
وقيل : إن " إلا " بمعنى بعد ، كقولك : ما كلمت رجلا اليوم إلا رجلا عندك ، أي بعد رجل عندك . وقيل : " إلا " بمعنى سوى ، أي سوى الموتة التي ماتوها في الدنيا ، كقوله تعالى : " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف " {[13767]} [ النساء : 22 ] . وهو كما تقول : ما ذقت اليوم طعاما سوى ما أكلت أمس . وقال القتبي : " إلا الموتة الأولى " معناه أن المؤمن إذا أشرف على الموت استقبلته ملائكة الرحمة ويلقى الروح والريحان ، وكان موته في الجنة لاتصافه بأسبابها ، فهو استثناء صحيح . والموت عرض لا يذاق ، ولكن جعل كالطعام الذي يكره ذوقه ، فاستعير فيه لفظ الذوق .
{ لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ( 56 ) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( 57 ) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( 58 ) }
لا يذوق هؤلاء المتقون في الجنة الموت بعد الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا ، ووقى الله هؤلاء المتقين عذاب الجحيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.