تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

المفردات :

تبتل إليه تبتيلا : انقطع إلى عبادته تعالى ، واستغرق في مراقبته .

التفسير :

4- واذكر اسم ربك وتبتّل إليه تبتيلا .

اذكر ربك بالتسبيح والتهليل ، والتحميد والاستغفار ، وتلاوة القرآن والتهجّد .

وتبتّل إليه تبتيلا .

انقطع إليه انقطاعا ، أي : حين تذكر الله اجمع مع ذكر اللسان موافقة القلب ، والتفرغ لعبادته ومناجاته ، والصفاء والنقاء في ذكره .

والتبتل . هو الاشتغال الدائم بعبادته ، والانقطاع لطاعة الله تعالى .

ومنه قولهم : امرأة بتول ، أي : منقطعة عن الزواج ، ومتفرغة للعبادة الله .

وهذا الانقطاع والتفرّغ مقصود به : انشغال الجوارح والذهن والفكر في وقت الذكر بالله .

وقي الحديث الشريف : ( أوصاني ربي بتسع : الإخلاص لله في السر والعلن ، والقصد في الغنى والفقر ، والعدل في الرضا والغضب ، وأن أعفو عمن ظلمني ، وأصل من قطعني ، وأعطى من حرمني ، وأن يكون صمتي فكرا ، ونطقى ذكرا ، ونظري عبرا ) .

وقد أمرنا الله تعالى بذكره وشكره وحسن عبادته ، ومن الدعاء : ( اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) .

وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا* وسبّحوه بكرة وأصيلا* هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما . ( الأحزاب : 41-43 ) .

ولعلّ ذلك أعون على تلقي الوحي والنهوض بشئون الرسالة .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

فيه ثلاث مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " واذكر اسم ربك " أي ادعه بأسمائه الحسنى ، ليحصل لك مع الصلاة محمود العاقبة . وقيل : أي اقصد بعملك وجه ربك ، وقال سهل : اقرأ باسم الله الرحمن الرحيم في ابتداء صلاتك توصلك بركة قراءتها إلى ربك ، وتقطعك عما سواه{[15512]} . وقيل : اذكر اسم ربك في وعده ووعيده ، لتوفر على طاعته وتعدل عن معصيته . وقال الكلبي : صل لربك أي بالنهار .

قلت : وهذا حسن فإنه لما ذكر الليل ذكر النهار ؛ إذ هو قسيمه ، وقد قال الله تعالى : " وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر " [ الفرقان : 62 ] على ما تقدم{[15513]} .

الثانية- قوله تعالى : " وتبتل إليه تبتيلا " التبتل : الانقطاع إلى عبادة الله عز وجل ؛ أي انقطع بعبادتك إليه ، ولا تشرك به غيره . يقال : بتلت الشيء أي قطعته ، ومنه قولهم : طلقها بتة بتلة ، وهذه صدقة بتة بتلة ، أي بائنة منقطعة عن صاحبها ، أي قطع ملكه عنها بالكلية ، ومنه مريم البتول لانقطاعها إلى الله تعالى ، ويقال للراهب متبتل ؛ لانقطاعه عن الناس ، وانفراده بالعبادة ، قال :

تُضِيءُ الظَّلامَ بالعِشَاء كأنَّهَا *** مَنارةُ مُمْسَى راهبٍ مُتَبَتَّلِ{[15514]}

وفي الحديث النهي عن التبتل ، وهو الانقطاع عن الناس والجماعات . وقيل : إن أصله عند العرب التفرد ، قاله ابن عرفة . والأول أقوى لما ذكرنا . ويقال : كيف قال : تبتيلا ، ولم يقل تبتلا ؟ قيل له : لأن معنى تبتل بتل نفسه ، فجيء به على معناه مراعاة لحق الفواصل .

الثالثة- قد مضى في ( المائدة ){[15515]} في تفسير قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " [ المائدة : 87 ] كراهة لمن تبتل وانقطع وسلك سبيل الرهبانية بما فيه كفاية . قال ابن العربي : وأما اليوم وقد مرجت عهود الناس ، وخفت أماناتهم ، واستولى الحرام على الحطام{[15516]} ، فالعزلة خير من الخلطة ، والعزبة أفضل من التأهل ، ولكن معنى الآية : انقطع عن الأوثان والأصنام وعن عبادة غير الله ، وكذلك قال مجاهد : معناه : أخلص له العبادة ، ولم يرد التبتل ، فصار التبتل مأمورا به في القرآن ، منهيا عنه في السنة ، ومتعلق الأمر غير متعلق النهي ، فلا يتناقضان ، وإنما بعث ليبين للناس ما نزل إليهم ، فالتبتل المأمور به : الانقطاع إلى الله بإخلاص العبادة ، كما قال تعالى : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين{[15517]} " [ البينة : 5 ] والتبتل المنهي عنه : هو سلوك مسلك النصارى في ترك النكاح والترهيب في الصوامع ، لكن عند فساد الزمان يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن .


[15512]:في أ، ح، ز، ط، "تهواه".
[15513]:راجع جـ 13 ص 65.
[15514]:البيت من معلقة امرئ القيس، ومعناه: إذا ابتسمت بالليل رأيت لثناياها بريقا وضوءا، وإذا برزت في الظلام استنار وجهها حتى يغلب ظلمة الليل. وممسى راهب: أي إمساؤه.
[15515]:راجع جـ 6 ص 261.
[15516]:حطام الدنيا: كل ما فيها من مال يفنى ولا يبقى.
[15517]:راجع جـ 20 ص 144.
 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

{ وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ( 8 ) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً ( 9 ) }

واذكر –يا محمد- اسم ربك ، فادعه به ، وانقطع إليه انقطاعًا تامًا في عبادتك ، وتوكل عليه .