تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ} (43)

المفردات :

تلك الأمثال : هذا المثل ونظائره .

نضربها للناس : نجعلها مثلا تقريبا لأفهامهم .

وما يعقلها : يفهمها .

إلا العالمون : المتدبرون .

التفسير :

43-{ وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون }

هذا المثل وأشباهه في القرآن الكريم ، يضربه الله تعالى للناس تقريبا للمعاني ، وتيسيرا عليهم في فهم الأمور ، حيث يبرز المعاني المستورة ويوضحها ، فتخرج في قالب محسوس مشاهد أمام العيان .

وكان سفهاء قريش وجهلتهم يقولون : إن رب محمد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت ، ويضحكون من ذلك ، فلهذا قال سبحانه وتعالى : { وما يعقلها إلا العالمون }

أي : لا يعقل صحتها وحسنها ، ولا يفهم فائدتها إلا العلماء الأثبات ، المتأملون في القضايا والمسائل .

روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية فقال : ( العالم من عقل عن الله تعالى ، فعمل بطاعته واجتنب سخطه ) .

من تفسير القرطبي :

قال عطاء الخرساني : نسجت العنكبوت مرتين : على داود حين كان جالوت يطلبه ، ومرة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك نُهى عن قتلها .

ويروى عن علي رضي الله عنه أنه قال : ( طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت ، فإن تركه في البيوت يورث الفقر )16اه .

ونحن ندعو الناس جميعا إلى نظافة بيوتهم ، وتطهيرها من العنكبوت وغيره من الهوام ، فإن الله تعالى نظيف يحب النظافة ، جميل يحب الجمال ، طيب يحب الطيبين .

وقد بنى الدين على النظافة ، ومن أجل ذلك شرع الإسلام الوضوء والاغتسال ، وطهارة البدن والثوب والمكان ، وفي الحديث الشريف : ( الطهور شطر الإيمان )17 .

وقال تعالى : { وثيابك فطهر } [ المدثر : 4 ] .

وقال عز شأنه : { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا . . } [ المائدة : 6 ] .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ} (43)

{ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } أي : لأجلهم ولانتفاعهم وتعليمهم ، لكونها من الطرق الموضحة للعلوم ، ولأنها تقرب الأمور المعقولة بالأمور المحسوسة ، فيتضح المعنى المطلوب بسببها ، فهي مصلحة لعموم الناس .

{ و } لكن { مَا يَعْقِلُهَا } بفهمها وتدبرها ، وتطبيقها على ما ضربت له ، وعقلها في القلب { إِلَّا الْعَالِمُونَ } أي : أهل العلم الحقيقي ، الذين وصل العلم إلى قلوبهم .

وهذا مدح للأمثال التي يضربها ، وحثٌّ على تدبرها وتعقلها ، ومدح لمن يعقلها ، وأنه عنوان على أنه من أهل العلم ، فعلم أن من لم يعقلها ليس من العالمين .

والسبب في ذلك ، أن الأمثال التي يضربها اللّه في القرآن ، إنما هي للأمور الكبار ، والمطالب العالية ، والمسائل الجليلة ، فأهل العلم يعرفون أنها أهم من غيرها ، لاعتناء اللّه بها ، وحثه عباده على تعقلها وتدبرها ، فيبذلون جهدهم في معرفتها .

وأما من لم يعقلها ، مع أهميتها ، فإن ذلك دليل على أنه ليس من أهل العلم ، لأنه إذا لم يعرف المسائل المهمة ، فعدم معرفته غيرها من باب أولى وأحرى . ولهذا ، أكثر ما يضرب اللّه الأمثال في أصول الدين ونحوها .