تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَذَكِّرۡ فَمَآ أَنتَ بِنِعۡمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٖ وَلَا مَجۡنُونٍ} (29)

محاجة المشركين

{ فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ ( 29 ) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ( 30 ) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ ( 31 ) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ( 32 ) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ ( 33 ) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ( 34 ) } .

المفردات :

فذكّر : فاثبت على ما أنت عليه من التذكير .

الكاهن : من يخبر بالأخبار الماضية الخفية بضرب من الظنّ .

والعرّاف : من يخبر بالأخبار المستقبلة .

29

التفسير :

29- { فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ } .

كان كفار مكة يختلقون التهم لإلصاقها بالرسول صلى الله عليه وسلم رغبة في الحطّ من شأنه ، وصرف الناس عنه ، والقرآن هنا يقول له : دُم على تبليغ الرسالة ، وسِر في طريقك ، ولا تكترث بالتّهم التي يحاولون أن يلصقوها بك . وكان صلى الله عليه وسلم قد عُرف بالصدق والأمانة ، ورجاحة العقل في نشأته وشبابه ، وقد كانوا يحكمونه في المهمَّات ، فلما نزلت عليه الرسالة ، قال شيبة بن ربيعة : إنه كاهن يدّعي معرفة الأخبار الخفية ، والقرآن أشبه بسجع الكهان .

وقد غلب على الكهان السجع مثل قولهم : والقمر الباهر ، والكوكب الزاهر ، لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر ، والكهانة اجتهاد إنسان ، وهو أحيانا يصيب ، وأحيانا كثيرة يخطئ ، أما القرآن فقد اهتم باللفظ والمعنى ، والقيم والآداب ، والتشريع والتاريخ وإحياء الضمير .

وقال عُقبة بن أبي مُعَيط : إن محمدا مجنون ، والقرآن نتيجة إصابته بنوبة الجنون .

وعند التأمل نجد الاضطراب واضحا في كلام المشركين ، فالكاهن يجب أن يكون في غاية الذكاء ، واستنباط المجهول من المعلوم ، والمجنون هو فاقد العقل ، ولا يجتمعان في شخص واحد ، مما يدل على شدة اضطرابهم وتعنتهم ، وما زال القرآن أثرا خالدا من أصدق الكتب وأعدلها في الإخبار عن الماضي ، والتشريع للحاضر ، والإرشاد للمستقبل .

وخلاصة معنى الآية :

دُم على تذكير المشركين ، ولا ترجع عن تبليغهم بسبب قولهم إنك كاهن مجنون ، لأن الله أنعم عليك بأجلّ النعم ، وهي الرسالة الخاتمة .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{فَذَكِّرۡ فَمَآ أَنتَ بِنِعۡمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٖ وَلَا مَجۡنُونٍ} (29)

{ فذكر } فذكرهم يا محمد الجنة والنار { فما أنت بنعمة ربك } برحمة ربك واكرامه اياك بالنبوة { بكاهن } تخبر بما في غد من غير وحي { ولا مجنون } كما تقولون

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَذَكِّرۡ فَمَآ أَنتَ بِنِعۡمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٖ وَلَا مَجۡنُونٍ} (29)

ولما كان هذا مع تشويقه{[61573]} إلى الجنة والأعمال الموصله إليها وعظاً يرقق القلوب ويجلي الكروب ، سبب عنه قوله : { فذكر } أي جدد التذكير بمثل هذا لكل من يرجو خيره ودم على ذلك ، وسماه تذكيراً لأنه مما يعلمه الإنسان إذا أمعن النظر من نفسه أو من الآفاق ، وعلل التذكير بقوله : { فما أنت } أي وأنت أشرف الناس عنصراً وأكملهم نفساً{[61574]} وأزكاهم خلائق هم بها معترفون لك قبل النبوة { بنعمت ربك } أي بسبب ما أنعم به{[61575]} عليك المحسن إليك من هذا الناموس الأعظم بعد تأهيلك له بما هيأك به من رجاحة العقل وعلو الهمة وكرم الفعال وجود الكف وطهارة الأخلاق وشرف النسب ، وأكد النفي بقوله : { بكاهن } أي تقول كلاماً - مع كونه سجعاً متكلفاً - أكثره فارغ وتحكم على المغيبات بما يقع خلاف بعضه . ولما كان للكاهن{[61576]} والمجنون اتصال بالجن ، أتبع ذلك قوله : { ولا مجنون * } أي تقول كلاماً لا نظام له مع الإخبار ببعض المغيبات ، فلا يفترك قولهم هذا عن{[61577]} التذكير فإنه قول باطل لا تلحقك به معرة أصلاً ؛ وعما قليل يكون عيباً لهم لا يغسله عنهم إلا اتباعهم لك ، فمن اتبعك منهم غسل عاره ، ومن استمر على عناده استمر تبابه وخساره .


[61573]:- من مد، وفي الأصل: تشويقهم.
[61574]:-زيد من مد.
[61575]:- من مد، وفي الأصل: الله.
[61576]:- من مد، وفي الأصل: بالكاهن.
[61577]:- من مد، وفي الأصل: عن هذا.