السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَذَكِّرۡ فَمَآ أَنتَ بِنِعۡمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٖ وَلَا مَجۡنُونٍ} (29)

ولما بين تعالى أنّ في الوجود قوماً يخافون الله تعالى ويشفقون في أهليهم والنبيّ صلى الله عليه وسلم مأمور بتذكير من يخاف الله تعالى لقوله تعالى : { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } [ ق : 45 ] فوجب التذكير . فلذلك قال تعالى : { فذكر } أي : عظ يا أشرف الخلق بالقرآن ودم على ذلك ولا ترجع عنه لقول المشركين لك كاهن ومجنون { فما أنت بنعمة ربك } أي : بسبب ما أنعم به عليك المحسن إليك من هذا الناموس الأعظم بعد تأهيلك له بما هيأك به من رجاحة العقل وعلوّ الهمة وكرم الفعال وجود الكف وطهارة الأخلاق ، وجعلك أشرف الناس عنصراً وأكملهم نفساً وأزكاهم خلقاً وهم معترفون لك بذلك قبل النبوّة . وأكد النفي بقوله تعالى : { بكاهن } أي : تقول كلاماً مع كونه سجعاً متكلفاً أكثره فارغ وتحكم على المغيبات من غير وحي { ولا مجنون } أي : تقول كلاماً لا نظام له مع الإخبار ببعض المغيبات فلا يفترك قولهم هذا عن التذكير فإنه قول باطل لا تلحقك به معرة أصلاً ، وعما قليل يكون عيباً لهم لا يغسله عنهم إلا اتباعهم لك فمن اتبعك منهم غسل عاره ومن استمرّ على عناده استمرّ تبابه وخساره .

تنبيه : نزلت هذه الآية في الذين اقتسموا عقاب مكة يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكهانة والسحر والجنون والشعر .