الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَذَكِّرۡ فَمَآ أَنتَ بِنِعۡمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٖ وَلَا مَجۡنُونٍ} (29)

قوله : { بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } : فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدها : أنه مُقْسَمٌ به متوسطٌ بين اسم " ما " وخبرها ، ويكونُ الجوابُ حينئذٍ محذوفاً لدلالة هذا المذكورِ عليه ، التقدير : ونعمةِ ربِّك ما أنت بكاهنٍ ولا مجنونٍ . الثاني : أنَّ الباءَ في موضع نصبٍ على الحالِ ، والعامل فيها " بكاهن " أو " مجنون " والتقدير : ما أنت كاهناً ولا مجنوناً ملتبساً بنعمةِ ربِّك ، قاله أبو البقاء ، وعلى هذا فهي حالٌ لازمةٌ ؛ لأنه عليه السلام لا يُفارِقْ هذه الحال . الثالث : أنَّ الباءَ متعلقةٌ بما دَلَّ عليه الكلامُ ، وهو اعتراضٌ بين اسم " ما " وخبرِها . والتقدير : ما أنت في حالِ إذكارِك بنعمةِ ربك بكاهنٍ ولا مجنون ، قاله الحوفي . ويظهر وجهٌ رابعٌ : وهو أَنْ تكونَ الباء سببيةً ، وتتعلَّقُ حينئذٍ بمضمون الجملةِ المنفيةِ ، وهذا هو مقصودُ الآيةِ الكريمةِ . والمعنى : انتفى عنك الكهانةُ والجنونُ بسبب نعمةِ اللَّهِ عليك ، كما تقول : ما أنا بمُعْسِر بحمد الله وغَنائه .