تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

1

المفردات :

بالحق : بالغرض الصحيح ، والحكمة البالغة ، وهو أن جعل الأرض مقرّ المكلّفين ، ليعملوا فيجازيهم ، وسخر السماوات لهم .

وصوّركم : التصوير : تخطيط وتشكيل وتمييز وتخصيص ، أي : خلقكم وبرأكم على صور وهيئات شتى ، يتميز بها كل واحد عن سواه .

فأحسن صوركم : أتقنها وأحكمها ، وجعلكم نموذج جميع المخلوقات ، كما قال تعالى : في أحسن تقويم . ( التين : 4 ) .

المصير : المرجع والمآل .

التفسير :

3- { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } .

خلق السماوات والأرض بالحكمة البالغة ، وجعل الأرض مستقرا للإنسان ، وألهمه أداء مهمته ، ولم يخلق السماوات والأرض عبثا بدون هدف ، بل خلقهما بالحق والعدل ، ومن الحق أن يكافئ الطائع ، وأن يحاسب ويعاقب العاصي .

{ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ . . . }

خلق الإنسان في أبدع صورة ، وأكمل هيئة ، ومنحه العقل والقوى الظاهرة والباطنة ، وأعطاه العقل والقدرة على الإبداع ، واستنباط المجهول من المعلوم ، وخلقه قائما منتصبا في أجمل شكل ، وشقّ له في وجهه للنظر عينين ، وللسمع أذنين ، ولسانا وشفتين ، وهداه النجدين ، وبيّن له الطريقين ، والجمال متفاوت ، والحسن متفاوت ، وكل إنسان قد أوتي نصيبا من الجمال ، بيد أن هناك الحَسَن والأَحْسَن ، كما أن هناك العالم والأعلم : وفوق كل ذي علم عليم . ( يوسف : 76 ) .

جاء في تفسير الآلوسي :

قالت الحكماء : شيئان لا غاية لهما : الجمال والبيان .

وقال القرطبي :

فإن قيل : كيف أحسن صورهم ؟

قيل له : جعلهم أحسن كالحيوان كله ، وأبهاه صورة ، بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور ، ومن أحسن صورته أنه خُلق منتصبا غير منكبّ . 1ه .

إنّ روح الإنسان مؤهله للسموّ الروحي ، والتألق في عالم الروحانيات ، بمحبة الله وعبادته وتسبيحه وتقديسه ، وتكبيره والالتجاء إليه ، والتفكّر في خلقه ، والتملّي بجمال مخلوقاته .

وبدن الإنسان من عالم الأشباح ، وهذا التركيب من خصائص الإنسان ، ففيه جزء طيني أرضي هو الجسم ، وفيه فيض نفخة روح الله تعالى .

قال تعالى : { إني خالق بشرا من طين*فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين } . ( ص : 71-72 ) .

وقال الشاعر :

وتزعم أنه جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر

{ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } . المرج والمآل ، والحساب والجزاء .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

وقوله { فأحسن صوركم } أي خلقكم أحسن الحيوان

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

قوله تعالى : " خلق السماوات والأرض بالحق " تقدم{[15040]} في غير موضع ، أي خلقها حقا يقينا لا ريب فيه . وقيل : الباء بمعنى اللام أي خلقها للحق وهو أن يجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى . " وصوركم فأحسن صوركم " يعني آدم عليه السلام ، خلقه بيده كرامة ، له ، قاله مقاتل . الثاني : جميع الخلائق . وقد مضى معنى التصوير ، وأنه التخطيط والتشكيل{[15041]} . فإن قيل : كيف أحسن صورهم ؟ قيل له : جعلهم أحسن الحيوان كله وأبهاه صورة بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور . ومن حسن صورته أنه خلق منتصبا غير منكب ، كما قال عز وجل : " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم{[15042]} " [ التين : 4 ] على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى . " وإليه المصير " أي المرجع ، فيجازي كلا بعمله .


[15040]:راجع جـ 6 ص 348 وجـ 7 ص 19.
[15041]:راجع ص 48 من هذا الجزء.
[15042]:راجع جـ 20 ص 113.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

ولما ذكر المظروف ذكر ظرفه دالاً على تمام إحاطته بالبواطن ، والظواهر بأنه يخلق الشيء العظيم جداً{[65693]} فيأتي على وفق الإرادة ثم لا يحتاج إلى أن يزاد فيه ولا أن ينقص منه فقال : { خلق السماوات } التي هي السقف لبيت عبيد الملك على كبرها وعلوها كما ترون { والأرض } التي هي قرار بيتهم ومهاده على سعتها وما فيها من المرافق والمعاون { بالحق } أي بالأمر الذي يطابقه الواقع فلا زائداً عنه ولا ناقصاً بل جاء الواقع منها{[65694]} مطابقاً لما أراد سواء {[65695]}لا كما يريد أحدنا الشيء فإذا{[65696]} {[65697]}أوجده لم يكن على وفق مراده سواء{[65698]} ، وبسبب إظهار الأمر الثابت وإبطال الباطل فهو خالق المسكنين : الدنيوي والأخروي ، خلافاً لمن لا يقول بذلك من صابىء وفلسفي وغيرهم .

ولما كان أهل الطبائع يقولون : إن الأفلاك لها تأثير بحسب الذات والطبع ، قال نافياً لذلك مذكراً بنعمته لتشكر : { وصوركم } أي أيها المخاطبون على صور لا توافق{[65699]} شيئاً من صور العلويات ولا السفليات ولا فيها {[65700]}صورة توافق{[65701]} الأخرى من كل وجه { فأحسن صوركم } فجعلها أحسن صور الحيوانات كلها كما هو مشاهد في الدنيا وكذا في الآخرة خلافاً لأهل التناسخ مع أن وضعها في نفسها أحسن الأوضاع ، لو غير شيء منها عن مكانه{[65702]} إلى شيء مما نعلمه فحصلت البشاعة{[65703]} به مع تفضيل الآدمي بتزيينه بصفوة أوصاف الكائنات وجعل سبحانه أعضاء متصرفة بكل ما يتصرف به أعضاء سائر الحيوان مع زيادات اختص بها الآدمي إلى حسن{[65704]} الوجه وجمال الجوارح ، فهو أحسن بالنسبة إلى النوع من حيث هو هو ، وبالنسبة إلى الأفراد في نفس الأمر وإن كان بعضها أحسن من بعض ، فقبح القبيح منه إنما هو بالنسبة إلى أحسن منه ، ولذا قال الحكماء ، شيئان لا غاية لهما{[65705]} : الجمال والبيان ، فخلق الانسان في أحسن تقويم لا ينفي أن يكون للنوع الذي جعل أحسن أفراد أنواع لما فوقه من الجنس ، لا نهاية لأحسنية بعضها بالنسبة إلى بعض{[65706]} يشاهد ما وجد من أفراد نوعه من الذوات فقدرة الله لا تتناهى ، فإياك أن تصغي لما وقع في كتب الإمام الغزالي أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، وإن كان قد علم أنه اعترض عليه في ذلك {[65707]}وأجاب{[65708]} عنه في الكتاب الذي أجاب فيه عن{[65709]} أشياء اعترض عليه فيها فإنه لا عبرة بذلك الجواب أيضاً ، فإن ذلك ينحل إلى أنه سبحانه وتعالى لا يقدر على أن يخلق أحسن من هذا العالم ، وهذا لا يقوله أحد ، وهو لا ينقص مقدار الغزالي فإن كل أحد يؤخذ من كلامه ويرد كما قال الإمام مالك رضي الله عنه ، وعزاه الغزالي نفسه إلى ابن عباس رضي الله عنهما ، وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه : صنفت هذه الكتب وما ألوت فيها جهداً وإني لأعلم أن فيها الخطأ لأن الله تعالى يقول :

( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً }[ النساء : 82 ] .

ولما كان التقدير : فكان منه سبحانه المبدأ ، عطف عليه قوله : { وإليه } أي وحده { المصير * } أي بعد البعث بعين القدرة التي قدر بها على البدأة فمن كان{[65710]} على الفطرة الأولى لم يغيرها أدخله الجنة ، ومن كان قد أفسدها فجعل روحه نفساً بما طبعها به من حيث جسده أدخله النار ، وفي الدنيا أيضاً بانفراده بالتدبير ، فلا يكون من الملك والسوقة إلا ما يريد ، لا ما يريد{[65711]} ذلك المريد الفاعل .


[65693]:- زيد في الأصل: فيتصرف، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[65694]:- من ظ وم، وفي الأصل: منه.
[65695]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[65696]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[65697]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[65698]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[65699]:- من م، وفي الأصل وظ: لا تخالف.
[65700]:- من ظ وم، وفي الأصل: صور تشبهه.
[65701]:- من ظ وم، وفي الأصل: صور تشبهه.
[65702]:- من ظ وم، وفي الأصل: مكانها.
[65703]:-من م، وفي الأصل وظ: الشفاعة.
[65704]:- من ظ وم، وفي الأصل: أحسن.
[65705]:- في الأصل بياض ملأناه من ظ وم.
[65706]:-زيد من م.
[65707]:- من ظ وم، وفي الأصل: فافهم فأجاب.
[65708]:- من ظ وم، وفي الأصل: فافهم فأجاب.
[65709]:- من ظ وم، وفي الأصل: من.
[65710]:- زيد في الأصل: فيها، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[65711]:- زيد من م.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

{ خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير }

{ خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم } إذ جعل شكل الآدمي أحسن الأشكال { وإليه المصير } .