تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ} (35)

29

المفردات :

سلطان : حجة قوية وبرهان ظاهر .

كبر مقتا عند الله : عظم جدالهم بغضا عند الله .

كذلك يطبع الله : كما ختم الله على قلوب هؤلاء المجادلين ، فكذلك يختم على كل قلب متكبر جبار ، حتى لا يعقل الرشاد ولا يقبل الحق .

التفسير :

35- الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على قلب متكبر جبار } .

كأني بمؤمن آل فرعون وقد حرص على هداية قومه واستمالتهم ، فقدم لهم عددا من الأدلة والبراهين تحثهم على الإيمان برسول الله موسى ، فهو يخوفهم بطش الله حينا ، ويذكّرهم بما أصاب المكذبين للرسل حينا ، ويذكرهم بأهوال القيامة حينا ثالثا ، وبسيرة يوسف الصديق مع أجدادهم ، وهنا يوضّح أن الجدال نوعان :

1- جدال لاستيضاح الحق ، فهو نقاش يتبين منه الإنسان ما يريد أن يستوضحه ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمح لأصحابه بمثل هذه المناقشة ، ويردّ عليهم بما يقنعهم .

وقد أشار عليه أحد أصحابه في غزوة بدر باتخاذ موقع أكثر قربا من الماء ، وأكثر ملائمة للمعركة فقبل مشورته ، وفي غزوة الخندق سمع مشورة الأنصار في عدم إعطاء هوازن ثلث ثمار المدينة ، وغير ذلك . وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مشورة لأصحابه مع أن الوحي ينزل عليه ، ومع ذلك كان يقول : " أشيروا عليّ أيها الناس " {[621]} .

2- جدال يراد به المكابرة بدون حجة صالحة لا نقلية ولا عقلية ، وهو جدال ممقوت ، يحمل الكبر والتعصب والتقليد الأعمى .

ومعنى الآية :

لله تعالى رسالات سماوية ، وأدلة عقلية بثّها في هذا الكون ، فهناك من يستجيب لهدي السماء ، لكن من يتكبر عن قبول الحق ويتجبر بالباطل ، هؤلاء الذين يفعلون ذلك كبر وعظم بغضا جدالهم عند الله ، وعند الذين آمنوا .

قال الزجاج :

المراد بالذين يجادلون كل مسرف مرتاب ، وهم يجادلون في الله بغير حجة صالحة للتمسك بها ، لا هي حجة نقلية أتتهم من جهته تعالى على أيدي الرسل ، ولا هي حجة عقلية استنبطوها من الكون ا ه .

أي أن هذه الآية مرتبطة بالآية السابقة ، فهؤلاء المسرفون المرتابون في هدي السماء ، من شأنهم الجدال في آيات الله بغير سلطان ، وعليهم غضب الله تعالى ، وغضب الذين آمنوا .

جاء في حاشية الجمل على الجلالين :

وهذه الصفة – وهي الجدال بالباطل بدون برهان- موجودة في فرعون وقومه ، ويكون الرجل المؤمن قد عدل عن مخاطبتهم إلى الاسم الغائب ، لحسن محاورته لهم ، واستجلاب قلوبهم ، وأبرز ذلك في صورة تذكّرهم ، فلم يخصهم بالخطاب ، وقوله : { كبر مقتا } ، ضرب من التعجب والاستفهام لجدالهم . . . ا ه .

أي ما أكبر غضب الله عليهم ، وما أعظم مقت المؤمنين لهم .

{ كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار } .

أي : مثل ذلك الطبع العجيب يطبع الله تعالى ، ويختم بالكفر والعمى على قلب كل إنسان متكبر عن الاستماع للحق ، متطاول ومتجبر على خلق الله تعالى بالعدوان والإيذاء .


[621]:أشيروا عليّ أيها الناس.: ذكره البيهقي في دلائل النبوة.
 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ} (35)

{ الذين يجادلون في آيات الله } أي في إبطالها ودفعها { بغير سلطان } أي حجة { أتاهم كبر } ذلك الجدال { مقتا } بغضا

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ} (35)

قوله تعالى : " الذين يجادلون في آيات الله " أي في حججه الظاهرة " بغير سلطان " أي بغير حجة وبرهان و " الذين " في موضع نصب على البدل من " من " وقال الزجاج : أي كذلك يضل الله الذين يجادلون في آيات الله ف " الذين " نصب . قال : ويجوز أن يكون رفعا على معنى هم الذين أو على الابتداء والخبر " كبر مقتا " . ثم قيل : هذا من كلام مؤمن آل فرعون . وقيل : ابتداء خطاب من الله تعالى . " مقتا " على البيان أي " كبر " جدالهم " مقتا " ، كقوله : كبرت كلمة " [ الكهف : 5 ] ومقت الله تعالى ذمه لهم ولعنه إياهم وإحلال العذاب بهم . " كذلك " أي كما طبع الله على قلوب هؤلاء المجادلين فكذلك " يطبع الله " أي يختم " على كل قلب متكبر جبار " حتى لا يعقل الرشاد ولا يقبل الحق . وقراءة العامة " على كل قلب متكبر " بإضافة قلب إلى المتكبر واختاره أبو حاتم وأبو عبيد . وفي الكلام حذف والمعنى : " كذلك يطبع الله على كل قلب " على كل " متكبر جبار " فحذف " كل " الثانية لتقدم ما يدل عليها . وإذا لم يقدر حذف " كل " لم يستقم المعنى ؛ لأنه يصير معناه أنه يطبع على جميع قلبه وليس المعنى عليه . وإنما المعنى أنه يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين قلبا قلبا . ومما يدل على حذف " كل " قول أبي دواد{[13375]} :

أكلَّ امرئٍ تحسبين امَرَأً *** ونارٍ تَوَقَّدُ بالليل نَارَا

يريد وكل نار . وفي قراءة ابن مسعود " على قلب كل متكبر " فهذه قراءة على التفسير والإضافة . وقرأ أبو عمرو وابن محيصن وابن ذكوان عن أهل الشام " قلب " منون على أن " متكبر " نعت للقلب فكني بالقلب عن الجملة ؛ لأن القلب هو الذي يتكبر وسائر الأعضاء تبع له ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) ويجوز أن يكون على حذف المضاف ، أي على كل ذي قلب متكبر ، تجعل الصفة لصاحب القلب .


[13375]:هو جارية بن الحجاج الإيادي. وقيل اسمه حنظلة بن الشرقي، وكان في عصر كعب بن مامة الإيادي الذي يضرب به المثل في الجود. "الشعر والشعراء لابن قتيبة"
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ} (35)

ولما ظهر ظهوراً لا يحتمل شكاً بما أتى به موسى عليه السلام من البينات أن شكهم في رسالة الماضي وجزمهم في الحكم بنفي رسالة الآتي أعظم ضلال وأنه من الجدال الذي لا معنى له إلا فتل المحق عما هو عليه من الحق إلى ما عليه المجادل من الضلال ، وصل بذلك قوله على سبيل الاستنتاج ذماً لهم بعبارة تعم غيرهم : { الذين } أي جدال من { يجادلون } أي يقاتلون ويخاصمون خصاماً شديداً { في آيات الله } أي المحيطة بأوصاف الكمال لا سيما الآيات الدالة على يوم التناد ، فإنها أظهر الآيات على وجوده سبحانه وعلى ما هو عليه من الصفات والأفعال وما يجوز عليه أو يستحيل .

ولما كان الجدال بالتي هي أحسن مشروعاً ، وهو بما أمر به قال : { بغير سلطان } أي تسليط ودليل { أتاهم } أي من عند من له الأمر كله { كبر } أي عظم هو ، أي الجدال المقدر مضافاً قبل { الذين } وبين ما أبهم من هذا العظم بتمييز محول عن الفاعل فقال : { مقتاً عند الله } أي الملك الأعظم { وعند الذين آمنوا } أي الذين هم خاصته .

ولما كان فاعل هذا لا يكون إلا مظلم القلب ، فكان التقدير : أولئك طبع الله على قلوبهم ، وصل به استنئافاً قوله : { كذلك } أي مثل هذا الطبع العظيم { يطبع } أي يختم ختماً فيه العطب { الله } أي الذي له جميع العظمة { على كل قلب } ولما كان فعل كل ذي روح إنما هو بقلبه ، نسب الفعل إليه في قراءة أبي عمرو وابن عامر في إحدى الروايتين عنه بالتنوين فوصفه بقوله : { متكبر } أي متكلف ما ليس له وليس لأحد غير الله { جبار * } أي ظاهر الكبر قويّه قهار ، وقراءة الباقين بالإضافة مثلها سواء في أن السور داخل القلب ليعم جميع أفراده غير أن الوصف بالكبر والجبروت للشخص لا للقلب ، وهي أبين من القراءة الشاذة بتقديم القلب على كل ، لأن تقديم كل نص في استغراق أفراد القلوب ممن اتصف بهذا الوصف ، ومن المقطوع به أن آحاد القلوب موزعة على آحاد الأشخاص لأنه لا يكون لشخص أكثر من قلب بخلاف ما إذا قدم القلب فإنه قد يدعي أن الشخص واحد ، وأن السور لأجل جمعه لأنواع الكبر والجبروت فيكون المعنى : على قلب شخص جامع لكل فرد من أفراد التكبر والتجبر - والله الموفق .