تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

14

المفردات :

ومن يوق : ومن يحفظ نفسه .

الشح : البخل مع الحرص .

التفسير :

16- { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .

ذكر ابن كثير أن هذه الآية ناسخة للتي في آل عمران ، وهي قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته . . } ( آل عمران : 102 ) .

أخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت : اتقوا الله حق تقاته . اشتد على القوم العمل . ، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم ، وتقرّحت جباههم ، فأنزل الله تخفيفا على المسلمين : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ . . فنسخت الآية الأولى .

قال المفسرون :

في المأمورات وفضائل الأعمال يأتي الإنسان منها بقدر طاقته ، لتفاوت الهمم والرغبة في الثواب ، فيأتي كل إنسان منها حسب استطاعته ، وأما في المحظورات فلابد من اجتنابها بالكلية ، ويدل على ذلك ما رواه الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " xvi

وَاسْمَعُوا . ما تؤمرون به . وَأَطِيعُوا . أوامر الله تعالى ورسوله . { وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ } . أي : أنفقوا في سبيل الله ، وفي مصالح الأمة ، فإن هذه النفقة يكون ثوابها خيرا لأنفسكم مما تكنزونه لورثتكم .

وفي الحديث الشريف : " إن مالك ما قدمت ، ومال وارثك ما أخرت " .

{ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .

ومن وقاه الله من داء الشح والبخل ، والجشع والطمع ، فقد فاز بالفلاح في الدنيا والآخرة ، حيث يحبه أهله وجيرانه وأقاربه وأهل وطنه في الدنيا ، ويتمتع بجنة واسعة ورضوان من الله أكبر في الآخرة .

قال تعالى : { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم } . ( البقرة : 261 ) .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

{ فاتقوا الله ما استطعتم } يعني اذا أمكنكم الجهاد والهجرة فلا يفتننكم الميل الى الأموال والأولاد عن ذلك وهذه الآية ناسخة لقوله تعالى { اتقوا الله حق تقاته } وقوله { وأنفقوا خيرا لأنفسكم } أي قدموا خيرا لأنفسهم من

أموالكم { ومن يوق شح نفسه } بخلها وحرصها حتى ينفق المال { فأولئك هم المفلحون } الفائزون بالخير

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

فيه خمس مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " فاتقوا الله ما استطعتم " ذهب جماعة من أهل التأويل إلى أن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى : " اتقوا الله حق تقاته{[15053]} " [ آل عمران : 102 ] منهم قتادة والربيع بن أنس والسدي وابن زيد . ذكر الطبري : وحدثني يونس بن عبدالأعلى قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته " [ آل عمران : 102 ] قال : جاء أمر شديد ، قالوا : ومن يعرف قدر هذا أو يبلغه ؟ فلما عرف الله أنه قد اشتد ذلك عليهم نسخها عنهم وجاء بهذه الآية الأخرى فقال : " اتقوا الله ما استطعتم " . وقيل : هي محكمة لا نسخ فيها . وقال ابن عباس : قوله تعالى : " اتقوا الله حق تقاته " [ آل عمران : 102 ] إنها لم تنسخ ، ولكن حق تقاته أن يجاهد لله حق جهاده ، ولا يأخذه في الله لومة لائم ، ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم . وقد تقدم .

الثانية- فإن قيل : فإذا كانت هذه الآية محكمة غير منسوخة فما وجه قوله في سورة التغابن : " فاتقوا الله ما استطعتم " وكيف يجوز اجتماع الأمر باتقاء الله حق تقاته ، والأمر باتقائه ما استطعنا . والأمر باتقائه حق تقاته إيجاب القرآن بغير خصوص ولا وصل بشرط ، والأمر باتقائه ما استطعنا أمر باتقائه موصولا بشرط ؟ قيل له : قوله : " فاتقوا الله ما استطعتم " بمعزل مما دل عليه قوله تعالى : " اتقوا الله حق تقاته " [ آل عمران : 102 ] وإنما عنى بقوله : " فاتقوا الله ما استطعتم " فاتقوا الله أيها الناس وراقبوه فيما جعل فتنة لكم من أموالكم وأولادكم أن تغلبكم فتنتهم ، وتصدكم عن الواجب لله عليكم من الهجرة من أرض الكفر إلى أرض الإسلام ، فتتركوا الهجرة ما استطعتم ، بمعنى وأنتم للهجرة مستطيعين . وذلك أن الله جل ثناؤه قد كان عذر من لم يقدر على الهجرة بتركها بقوله تعالى : " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم " إلى قوله " فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم{[15054]} " [ النساء : 97 ] . فأخبر أنه قد عفا عمن لا يستطيع حيلة ولا يهتدي سبيلا بالإقامة في دار الشرك ، فكذلك معنى قوله : " فاتقوا الله ما استطعتم " في الهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام أن تتركوها بفتنة أموالكم وأولادكم . ومما يدل على صحة هذا أن قوله : " فاتقوا الله ما استطعتم " عقيب قوله : " يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم " .

ولا خلاف بين السلف من أهل العلم بتأويل القرآن أن هذه الآيات نزلت بسبب قوم كفار تأخروا عن الهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام بتثبيط أولادهم إياهم عن ذلك ، حسب ما تقدم . وهذا كله اختيار الطبري . وقيل : " فاتقوا الله ما استطعتم " فيما تطوع به من نافلة أو صدقة ، فإنه لما نزل قوله تعالى : " اتقوا الله حق تقاته " [ آل عمران : 102 ] اشتد على القوم فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم ، فأنزل الله تعالى تخفيفا عنهم : " فاتقوا الله ما استطعتم " فنسخت الأولى ، قاله ابن جبير . قال الماوردي : ويحتمل إن لم يثبت هذا النقل أن المكره على المعصية غير مؤاخذ بها ؛ لأنه لا يستطيع اتقاءها .

الثالثة- قوله تعالى : " واسمعوا وأطيعوا " أي اسمعوا ما توعظون به وأطيعوا فيما تؤمرون به وتنهون عنه . وقال مقاتل : اسمعوا " أي اصغوا إلى ما ينزل عليكم من كتاب الله ، وهو الأصل في السماع . " وأطيعوا " لرسوله فيما أمركم أو نهاكم . وقال قتادة : عليهما بويع النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة . وقيل : " واسمعوا " أي اقبلوا ما تسمعون ، وعبر عنه بالسماع لأنه فائدته .

قلت : وقد تغلغل في هذه الآية الحجاج حين تلاها وقصرها على عبدالملك بن مروان فقال : " فاتقوا الله ما استطعم واسمعوا وأطيعوا " هي لعبدالملك بن مروان أمين الله وخليفته ، ليس فيها مثنوية ، والله لو أمرت رجلا أن يخرج من باب المسجد فخرج من غيره لحل لي دمه . وكذب في تأويلها بل هي للنبي صلى الله عليه وسلم أولا ثم لأولي الأمر من بعده . دليله " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم{[15055]} " [ النساء : 59 ] .

الرابعة- قوله تعالى : " وأنفقوا " قيل : هو الزكاة ، قاله ابن عباس . وقيل : هو النفقة في النفل . وقال الضحاك : هو النفقة في الجهاد . وقال الحسن : هو نفقة الرجل لنفسه . قال ابن العربي : وإنما أوقع قائل هذا قوله : " لأنفسكم " وخفي عليه أن نفقة النفل والفرض في الصدقة هي نفقة الرجل على نفسه ، قال الله تعالى : " إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها{[15056]} " . [ الإسراء : 7 ] . وكل ما يفعله الرجل من خير فإنما هو لنفسه . والصحيح أنها عامة . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فال له رجل : عندي دينار ؟ قال : ( أنفقه على نفسك ) قال : عندي آخر ؟ قال : ( أنفقه على عيالك ) قال : عندي آخر ؟ قال : ( أنفقه على ولدك ) قال : عندي آخر ؟ قال : ( تصدق به ) فبدأ بالنفس والأهل والولد وجعل الصدقة بعد ذلك . وهو الأصل في الشرع .

الخامسة- قوله تعالى : " خيرا لأنفسكم " " خيرا " نصب بفعل مضمر عند سيبويه ، دل عليه " وأنفقوا " كأنه قال : ايتوا في الإنفاق خيرا لأنفسكم ، أو قدموا خيرا لأنفسكم من أموالكم . وهو عند الكسائي والقراء نعت لمصدر محذوف ، أي : أنفقوا إنفاقا خيرا لأنفسكم . وهو عند أبي عبيدة خبر كان مضمرة ؛ أي : يكن خيرا لكم . ومن جعل الخير المال فهو منصوب ب " أنفقوا " . " ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " تقدم الكلام فيه{[15057]} .


[15053]:راجع جـ 4 ص 157.
[15054]:راجع جـ 5 ص 354.
[15055]:راجع جـ 5 ص 258.
[15056]:راجع جـ 10 ص 217.
[15057]:راجع ص 29 من هذا الجزء.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

{ فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون }

{ فاتقوا الله ما استطعتم } ناسخة لقوله ( اتقوا الله حق تقاته ) { واسمعوا } ما أُمرتم به سماع قبول { وأطيعوا وأنفقوا } في الطاعة { خيراً لأنفسكم } خبر يكن مقدرة جواب الأمر { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } الفائزون .