تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{قُل لَّوۡ كَانَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَلَـٰٓئِكَةٞ يَمۡشُونَ مُطۡمَئِنِّينَ لَنَزَّلۡنَا عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكٗا رَّسُولٗا} (95)

90

المفردات :

مطمئنين : أي : ساكنين مقيمين فيها .

التفسير :

ثم نبه تعالى على لطفه ورحمته بعباده ، وأنه يبعث إليهم الرسول من جنسهم ؛ ليفقهوا عنه ويفهموا منه ، ويمكنهم مخاطبته ومكالمته حتى لو كانت الأرض مستقرا لملائكته ، لكانت رسلهم منهم ، جريا على قضية الحكمة فقال سبحانه :

95- { قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزّلنا عليهم من السماء مَلَكا رسولا } .

أي : لو وجد في الأرض ملائكة يمشون على أقدامهم كما يمشي الإنس مطمئن أي : ساكنين في الأرض مقيمين فيها حتى يمكن الاجتماع بهم وتتلقى الشرائع منهم ؛ { لنزّلنا عليهم من السماء ملكا } ، أي : من جنسهم ؛ ليعلمهم الخير ويهديهم إلى الرشد ولكن طبيعة الملك لا تصلح للاجتماع بالبشر ، فلا يسهل عليهم التخاطب والتفاهم معهم ؛ لبعد ما بين الملك وبينهم ، ومن ثم لم نبعث ملائكة إليهم ، بل بعثنا خواص البشر ؛ لأن الله وهبهم نفوسا زكية ، وأيدهم بأرواح قدسية ، وجعل لهم ناحية ملكية ؛ بها يستطيعون أن يتلقوا من الملائكة ، وناحية بشرية ؛ بها يبلغون رسالات ربهم إلى عباده .

وقد نبه سبحانه إلى عظيم هذه الحكمة وجليل تلك النعمة بقوله :

{ لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم } . ( آل عمران : 164 ) .

وقوله : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } . ( التوبة : 128 ) .

وقوله : { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكّيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون } . ( البقرة : 151 ) .

وإجمال القول في ذلك : إنه لو جعل الرسل ملائكة ؛ لنا استطاع الناس التخاطب معهم ولما تمكنوا من الفهم منهم ، فلزم أن يجعلوا بشرا ؛ حتى يستطيعوا أداء الرسالة ، كما قال سبحانه : { ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون } . ( الأنعام : 9 ) .

وقد ثبت أن جبريل عليه السلام جاء في صورة دحية الكلبي مرارا عدة فقد صح أن أعرابا جاء وعليه وعثاء السفر فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم

عن الإسلام والإيمان ، فأجابه عليه السلام بما أجابه ثم انصرف ، ولم يعرفه أحد من الصحابة رضوان الله عليهم فقال عليه السلام : ( هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم ) .