تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٞ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَٰبٗا نَّقۡرَؤُهُۥۗ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّي هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرٗا رَّسُولٗا} (93)

90

المفردات :

من زخرف : أي : من ذهب وأصل الزخرف لغة الزينة وأجملها ما كان بالذهب .

ترقى : أي : تصعد .

سبحان ربي : أي : أنزهه تنزيها أن يتحكم عليه إلى هذا الحد .

التفسير :

93- { أو يكون لك بيت من زخرف . . . }

أي : أو يكون لك بيت من ذهب روى ذلك عن ابن عباس وقتادة وغيرهما .

{ أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه } . أي : أو تصعد في سلم إلى السماء ونحن ننظر إليك ، ولن نصدقك من أجل رقيك وحده ، بل لا بد أن تنزل علينا كتابا نقرأه بلغتنا على نهج كلامنا وفيه تصديقك .

{ قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا } . أي : قل لهم متعجبا من مقترحاتهم ، ومنزها ربك من أن يقترح عليه أحد ، أو يشاركه في القدرة : ما أنا إلا كسائر الرسل ، وليس للرسل أن يأتوا ألا بما يظهره الله على أيديهم بحسب ما تقتضيه المصلحة ، من غير تفويض إليهم فيه ، ولا تحكم منهم عليه .

وخلاصة ذلك : سبحانه أن يتقدم أحد بين يديه في أمر من أمور سلطانه وملكوته ، بل هو الفعال لما يشاء ، إن شاء أجابكم إلى ما سألتم ، وإن شاء لم يجبكم ، وما أنا إلا رسول إليكم أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم ، وقد فعلت ذلك ، وأمركم فيما سألتم إلى الله عز وجل .

تنبيه :

قال القاسمي : {[489]}

لا يخفى ما في اقتراح هذه الآيات من الجهل الكبير بسنة الله في خلقه ، وبحكمته وجلاله وبيان ذلك- كما في كتاب ( لسان الصدق )- أن ما اقترحته قريش ( منه ) ما أرادوا به مصلحتهم دون مصلحة العباد ، مما يخالف حكمة الله المقتضية ؛ لإخلاء بعض البقاع من العيون النابعة ، والأنهار الجارية ، والجنان الناضرة ، دون بعض ، وإرساء الجبال الشم في موضع دون آخر لمصالح يعلنها هو- جلت عظمته- ولا يعلمها الخلق ، فليس مقترحهم هذا من العجز في الشيء . مع أن مثله لا تثبت به النبوة .

فإننا نعلم أن أناسا قد استنبطوا العيون وغرسوا الجنان من النخيل والأعناب ، ونحتوا الجبال ولم يكونوا أنبياء .

ومنه : ما يناقض إرادة الله سبحانه وهو قولهم : { أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا } فإن إنزال السماء قطعا مقتض لهلاك العالم بحذافيره ، والله يريد إبقاءه إلى أجل معلوم .

ومنه : ما هو مستحيل في نفسه غير ممكن وقوعه أصلا وهو قولهم : { أو تأتي بالله والملائكة قبيلا } . فإن الإتيان بالله والملائكة حتى يشاهدهم المشركون أو غيرهم ، مما لا يمكن أن يكون ، فلا يجوز طلبه ، وليس من أنواع المعجز .

ومنه : ما لا يصلح للأنبياء ولو حصل لم يكن معجزا وهو قولهم : { أو يكون لك بيت من زخرف } . فإن هذا غير صالح للأنبياء ، وليس بمعجز ؛ لحصول مثله عند أشباه فرعون .

ومنه : ما وعدوا بعدم إيمانهم به لو حصل ، وهو قولهم : { أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل عليا كتابا نقرؤه . . . } {[490]} .

فلم يكن شيء مما اقترحوه في الآيات معجزا . وإنما هي أمور مستحيلة في نفسها أو لأمر آخر ؛ اقترحوها تكبرا وتعنتا وجهلا . على أنهم بعد تلك الأقوال كلها قال قائل منهم : وايم الله ! لو فعلت ذل ؛ لظننت أني لا أصدقك .

فكان الأولى في جوابهم عما اقترحوه ، هو قول الرسول لهم : { سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا } . أي : تنزه ربي عن فعل ما اقترحتموه من المحال وما يناقض حكمته . وما أنا إلا بشر رسول على أن أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم . وقد أتيتكم بما يدل على صدق رسالتي مما أوحاه إليّ وذلك ما تحديتكم بالإتيان بمثله أو بسورة مثله في الهداية والإصلاح{[491]} .


[489]:- تفسير القاسمي 15/3998 بعناية محمد فؤاد عبد الباقي الطبعة الأولى.
[490]:- تفسير القاسمي بتصرف واختصار.
[491]:- تفسير القاسمي 10/3999، 4000 بتصرف.